هل عاد الربيع العربي؟!

نشر في 15-03-2019
آخر تحديث 15-03-2019 | 00:11
 د. حسن عبدالله جوهر تطور الأحداث بوتيرة عالية خلال الأسابيع الماضية في الجزائر ومن قبلها في السودان يعيد إلى الأذهان سلسلة الانتفاضات العربية في عدد من دولها مع بداية العقد الحالي، وأدت إلى الإطاحة بأنظمتها الحاكمة أو الغرق في الفوضى السياسية والأمنية في الكيانات التي نجحت السلطة في إجهاض تلك الحركات الشعبية، الأمر الذي عرف بالربيع العربي.

نتائج الربيع العربي كانت كارثية في معظمها، وأقل الأضرار تمثلت بانهيار الاقتصادات القومية كما هي الحال في مصر وتونس، وأكبر أضرارها ما نشاهده في ليبيا واليمن وسورية، حيث الحروب الأهلية المستمرة، ولكن القاسم المشترك بين كل الحالات كان تفشي الإرهاب وتنامي المد الأصولي المتطرف من جهة، ومن جهة اخرى ضياع حلم الشباب الذين قادوا الحراك، وانتهى بالكثير منهم المطاف إما بالسجون أو العودة لقبول أنظمة حكم لا تقل في ضراوتها وبطشها عن الحكومات السابقة، وإن تغلف الإطار العام بشعارات الديمقراطية الشكلية ظاهرياً.

فما السر في تجدد المظاهرات الشعبية إذا كان الربيع الفائت عقيماً، بل لا يجر سوى المزيد من الويلات والمآسي؟ ولماذا لم يمنع الحكم الأحادي المدعوم من المؤسسات العسكرية والأمنية الناس من الخروج مجدداً والمطالبة الصريحة برحيل رؤساء دولها والإصرار على ذلك رغم التهديد والوعيد والتصدي لها بمختلف صور القمع؟!

لعل الإجابة عن ذلك تكمن في أمرين، الأمر الأول أن الكثير من الأنظمة وخاصة في العالم العربي لم تردع أو تستفيد من تجربة الربيع العربي الماضي، ورغم مرور عقد كامل من الزمن على ذلك الحدث المزلزل لم تقدم الحكومات على أي مشاريع إصلاحية، ولم تعبأ باستشراء الفساد أو تهيئ المزيد من الانفتاح والمشاركة السياسية، أو تقبل بالانتقال السلمي للسلطة، بقي الحكم الأبدي الماركة المسجلة في هذه البلدان، وأن الشخص واحد هو السوبرمان السياسي والعقلية الوحيدة التي تفهم وتستحق القيادة، وتتجسد في شخصه كل الخصال والصفات والمؤهلات، أما الشعوب برمتها فلا تعدو كونها قطعانا من الماشية يجب أن تنقاد وتسمع الكلام وتدين بالولاء والطاعة، وتصفق وتطبل للفشل والتخبط والفساد والتخلف حتى تعطى شهادة الوطنية ووسام الإخلاص.

الشعوب بدورها، ورغم إدراكها خطورة القادم والمستقبل المجهول، فما عاد يفرق عندها رموز الحكم أو مسمى القائد أو قدسية الرئيس، ما دامت حياتها تحولت إلى جحيم وباتت تزداد فقراً وتموت قهراً، وتجبر أن يعيش في الذل والمهانة، فلن يغيرها شكل النظام أو نموذج السلطة إذا كان الأسى هو سيد الموقف. أمام هذا الإصرار في التمسك بالحكم رغم الفشل والعجز عن تقديم الجديد المفيد يزداد بطبيعة الحال الإصرار الشعبي على الرفض والتمرد وانتظار ساعة التحرك، ولذلك نجد أن الأمور في العالم العربي تنفجر فجأة، والسبب أن الشحن الداخلي يتواصل ويتنامى، ولا بد من لحظة يخرج فيها كل هذا المكنون.

لعل هذا السر في أفول تحرك أصحاب الستر الصفراء في فرنسا، واستمرار المظاهرات في دول مثل الجزائر والسودان، فلو عاش الفرنسيون يوماً واحداً كمواطنين عرب لعرفوا معنى الاحتجاج والتظاهر وقيمة مطالباتهم المعيشية وطموحاتهم السياسية!

back to top