أوروبا ما عادت متفقة بشأن الأسد نفسه

نشر في 15-03-2019
آخر تحديث 15-03-2019 | 00:00
 بشار الأسد و فيصل المقداد
بشار الأسد و فيصل المقداد
على الرغم من أن الدول الأوروبية تتحد رسمياً وراء سياسة تفرض العقوبات على نظام الأسد، فإن كل دولة منها بدأت تتساءل عن مدى ضرورة التمسك بالموقف المتشدد الحالي، فترغب فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة في الحفاظ على موقف حازم مناهض للأسد، وفي المقابل يود آخرون في الأمم الأوروبية الجنوبية والشرقية، تبني موقف أكثر اعتدالاً.
يحاول الاتحاد الأوروبي تقديم واجهة موحدة للعالم، إلا أن مجموعة واسعة من المسائل تزيد القارة انقساماً على ذاتها، ومن المسائل الأخيرة التي قسّمت الاتحاد الأوروبي السؤال: هل نساعد سورية لتعيد بناء نفسها؟ أو بالأحرى: هل نساعد الأسد في إعادة بناء سورية؟

صحيح أن الدول الأوروبية تتحد رسمياً وراء سياسة تفرض العقوبات على نظام الأسد، إلا أن كل دولة منها بدأت تتساءل عن مدى ضرورة التمسك بالموقف المتشدد الحالي. ترغب فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة في الحفاظ على موقف حازم مناهض للأسد، وفي المقابل يود آخرون في الأمم الأوروبية الجنوبية والشرقية، وخصوصاً تلك التي تديرها حكومات شعبوية، تبني موقف أكثر اعتدالاً، فقد أخبر دبلوماسيون من مختلف أنحاء أوروبا "فورن بوليسي" أن هذه المجموعة الثانية من الدول تنظر إلى العلاقات مع سورية من منظار أزمة اللاجئين خصوصاً، فتعتقد هذه الدول أنها، بإقرارها بفوز الأسد في الحرب ومساعدته في عملية إعادة إعمار بلده، تنجح في تسريع عودة اللاجئين السوريين.

تُعتبر إيطاليا من أبرز الدول التي تعبّر عن دعمها الأسد ومعارضتها العقوبات ضد كيانات سورية، وراء الأبواب الموصدة على الأقل، ذكر دبلوماسي من أوروبا الجنوبية طلب عدم ذكر اسمه أن إيطاليا "تعيد تقييم موقفها"، وأضاف: "إذا أردتَ أن يرحل اللاجئون وأن توقف الموجة التالية من اللاجئين، وإذا أردت أن تنهي معاناة المهجرين داخل سورية، وإذا أردت أن تعالج مشكلة داعش في أوروبا، وهذا التنظيم موجود فيها بالتأكيد، فعليك أن تتعامل مع الحكومة السورية". ويتابع مؤكداً: "الحل على الطاولة، الحل هو الأسد".

صحيح أن إيطاليا تدعم القرارات، إلا أنها تفضّل تخفيف العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، وفق دبلوماسي إيطالي. ربما لم تعارض إيطاليا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على 11 شخصاً إضافيين من رجال الأعمال السوريين وداعمي النظام السوري، مما رفع عدد الخاضعين للعقوبات إلى 270، غير أنها قد تسعى قريباً إلى رفض بعضها، وما إن تُرفع العقوبات التي تعوق التعاملات المالية وغيرها من التعاملات مع سورية، حتى تتمكن الشركات الأوروبية من تقديم عروضها في مشاريع إعادة الإعمار.

تستطيع إيطاليا وفق الإجراءات المتبعة رفض تجديد العقوبات السنوي، ولكن إذا أقدمت على هذه الخطوة بمفردها، فإنها تخاطر بمواجهة العزلة داخل الاتحاد، ويؤكد الخبراء استمرار فرضية أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتعرض لضغوط، حتى في مسائل السياسة الخارجية، كي تعمل بالتوافق، إلا أن إيطاليا ستحظى بمرور الوقت على الأرجح بعدد أكبر من الداعمين الذين يؤيدون التغيير، ويسود الاعتقاد اليوم أن بولندا، والنمسا، وهنغاريا تميل راهناً إلى فكرة استئناف التعامل مع السلطات السورية.

يذكر جوليان بارنز-داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن ما يحفّز هذه الدول عواملٌ تشمل سياساتها الداخلية بشأن اللاجئين وروابطها مع موسكو، ويتابع موضحاً: "لا شك أيضاً أن بعض الدول يدرك الوقائع الجديدة على الأرض في سورية ويعتقد أن أي مكاسب إيجابية قد يجنيها من هذا الوضع تتطلب نوعاً من التعامل مع الحكومة في دمشق. لا يمثل هذا التبدل مفارقة كبيرة فحسب، بل يعكس أيضاً تقييمات تحليلية متنافسة لما يُعتبر ممكناً اليوم".

في شهر أغسطس الماضي أوفدت بولندا نائب وزير خارجيتها أندريزيج بابييرز إلى دمشق للقاء الحكومة السورية، وقد أثنت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا"، التي تديرها الحكومة السورية، على هذه الزيارة، وذكرت أن بولندا عرضت تمويل بناء منازل لمئة عائلة من عائلات اللاجئين السوريين التي تقيم راهناً في لبنان بغية توفير الظروف الملائمة لعودتها، أما نظير بابييرز السوري فيصل المقداد، فوصف الموقف البولندي بـ"الواقعي والمنطقي" وندد بربط المساعدة بـ"شروط أخرى".

نفت بولندا أن تكون قد خرقت إجماع الاتحاد الأوروبي بشأن عملية إعادة الإعمار السورية، لكن مبادرتها هذه تجاه حكومة الأسد تشكّل مؤشراً واضحاً إلى أنها تعتقد أن إعادة إعمار سورية سيتيح للاجئين العودة إلى منازلهم بدل التوجه غرباً إلى أوروبا.

يندلع اليوم جدال محتدم بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بشأن ما يشكّل تنازلاً مقنعاً. بموجب محادثات السلام في جنيف التي حددها القرار 2254، من المفترض أن يتفق النظام والمعارضة على لجنة مشتركة تضع دستوراً جديداً، وتؤكد ألمانيا أنها ستعتبر هذه اللجنة، إن تشكّلت، خطوة نحو الأمام، ولكن حتى تلك الخطوة الأولى لم تُتخذ بعد، فقد فشل كلا الطرفين حتى اليوم في الاتفاق على تركيبة اللجنة.

يؤكد مسؤول دبلوماسي رفيع الشأن في الاتحاد الأوروبي يزور سورية غالباً أن التنازل السياسي الوحيد، الذي قد يرضى الأسد التفكير فيه، هو منح مقدار أكبر بقليل من الاستقلال الذاتي للمجالس المحلية، ويضيف: "لن يقبل الأسد بمنح حقائب الدفاع أو التعليم أو الأمن للمعارضة في أي حكومة مستقبلية، لكن أحد الوزراء أخبرني أنهم قد يعطون السلطات المحلية صلاحيات إضافية، ويشكّل هذا ذروة ما يمكننا توقعه"، إلا أن ألمانيا وفرنسا لن تعتبرا هذه الخطوة إشارة إلى تشاطر حقيقي للسلطة لأنهما تعتقدان أن مؤيدي حزب البعث ما زالوا يسيطرون على الدوائر المحلية، لكن إيطاليا في المقابل قد تقبل بإرسال مساعدة تنموية إلى المجالس المحلية التي تتمتع باستقلال ذاتي أكبر.

تواجه أوروبا راهناً، وفق بارنز-داسي، السؤال: هل يمكنها التوحد حول موقف أكثر تعقلاً يقر باستحالة خوض عملية انتقالية في سورية؟ إن عجزت عن ذلك، فقد يكون الانهيار التدريجي للموقف الأوروبي الداخلي محتماً، ولم تظهر هذه الشقاقات إلى العلن في 12 مارس حين عقدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مؤتمرها السنوي الثالث حول دعم مستقبل سورية والمنطقة في بروكسل، ولكن يتضح جلياً اليوم أن الهمسات، التي تدعو في مختلف أنحاء أوروبا إلى تغيير في السياسة بشأن سورية، ستزداد ارتفاعاً بالتأكيد خلال هذه السنة.

back to top