رمادي داكن

نشر في 07-01-2019
آخر تحديث 07-01-2019 | 00:05
 فوزية شويش السالم "رمادي داكن" هي المجموعة القصصية الجديدة للكاتب طالب الرفاعي، وله مجاميع قصصية سبقت هذه أولها كان "أبو عجاج طال عمرك" صدرت عن دار الآداب 1992، بعدها جاءت "أغمض روحي عليك" 1995، ثم "مرآة الغبش" 1997، ثم "حكايا رملية" صدرت عن دار المدى 1999. وبعدها صدرت مجموعة "سرقات صغيرة" عن دار الشروق 2011، ومجموعة "الكرسي" 2012.

وله من الروايات: "ظل الشمس" صدرت 1998، و"رائحة البحر" 2002، و"سمر كلمات" 2006، و"الثوب" 2009، و"في الهنا" 2014، و"النجدي" 2017.

مجموعة رمادي داكن هي ثامنة مجاميعه القصصية، وقد لا تكون الثامنة؛ لأنه قال في توطئة المجموعة: "هذه ليست مختارات، بل هي قصص جديدة، بالرغم من قدم تواريخ بعضها، فلقد قمت بإعادة كتابتها وقراءتها، والاشتغال عليها لتجديد عمارة بنائها، مرة ومرتين، وعشراً، وعشرين، وأكثر، وذلك بناء على وعي وموقف متجددين من قضايا الإنسان والواقع والإبداع".

إذن يُفهم من هذه التوطئة أن هذه ليست بقصص جديدة، ولكنها قصص منتقاة من مجاميع سابقة تم تنقيحها والاشتغال عليها من جديد، وهذا ما لاحظته ربما في ثلاث أو أربع قصص سبق أن قرأتها له من قبل، لكن لا أتذكر من أي مجموعة كانت.

أول قراءة لي كانت لمجموعة "أبو عجاج طال عمرك"، وكانت متميزة وبداية موفقه له، بعدها ربما قرأت "الكرسي"، لكني لم أعد أتذكر مواضيعها، ومن رواياته قرأت "سمر كلمات" و"النجدي".

مجموعة "رمادي داكن" أغلبها قصص لشخصيات الموظفين في الوزارات ومكاتب العمل الكويتية، تقترب جدا من سلوكياتهم وتفضح تكوينهم الإنساني، سواء بالشر أو بالخير، وتشعر بنبض شخصياتهم، وكأنك تعرفهم، فقد أجاد طالب الرفاعي بعكس صورتهم ودوافعهم التي تحركهم تجاه الغيرة والحسد والمكائد والنميمة والإضرار بالغير، بحكم عمله الطويل في الوزارات كمهندس، حتى وقت انتقاله للعمل بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، هذا الوقت الطويل الذي عاشه وقضاه مع المئات من الموظفين، منحه خبرة وتعمقاً في فهم تعاملات بعضهم مع بعض، وفهم السلوك النفسي والروحي لأخلاق الموظف، لذا جاءت كتاباته عنهم بفهم عميق كشّف وعرّى النفوس المريضة بالنفاق والكذب والحسد والشر، وهي الشخصيات التي اقتنصها ليضعها بمجموعته "رمادي داكن". وإلى جانب هذه الشخصيات نجد هناك قصصا إنسانية أيضاً تدور في طاحونة العمل، مثل حكاية فراش مكتب المدير في قصة "قرب المدخل" الرائعة، التي تبين جبروت وتكبر روح المدير تجاه فراش مكتبه، حين يتعامل معه بتعالٍ واحتقار فيقدم له خمسة دنانير، ظنا منه أنه يشحذ قسط جامعة ابنه، فما كان من المستخدم إلا أن مسح دموعه وأخبره: "مات ولدي، تناثرت أجزاء جسده قرب مدخل الجامعة في التفجير الأخير"، وخرج دون أن ينظر إليه أو ليأخذ النقود الساقطة على الحذاء.

من القصص المتميزة قصة "زجاج أعمى" التي تبين طغيان مواقع العمل الإلكترونية ولا إنسانيتها، حيث لا يكون دور العامل سوى برغي في جهاز تتحكم فيه آلة طوال الوقت لتحوله إلى ربوت آلي يطيع وينفذ الأوامر، بإذعان يبعده ويسلخه من إنسانيته ويدجنه في ماكينة تدور بلا قلب، حتى أنه ينسى الذهاب لزيارة طفلته على مدى أسابيع: "تعال بابا. أكدت لها أنني سأذهب لرؤيتها، لكن الإيميلات والمواقع والأحاديث الحميمة.

مجددا يلمع السؤال أمامي: إذا أجبت بنعم فأنت مفصول: هل ابنتك أهم من عملك؟".

أما قصة "العم خليفة" فتكشف داء الواسطة المنتشر في وزارات العمل الكويتية، فالمحاسب الذي أكلت سنوات العمل عمره، وصدر أمر من مجلس الإدارة بتعيينه بالإنابة، حين استقال المدير التنفيذي بسبب مرضه، وكانت كل الدلائل تشير باستحقاقه لهذا المنصب، علم بطموح مراقب الحسابات الشاب الذي لم تمض ستة أشهر على التحاقه بالشركة، فذهب إلى العم خليفة، الذي يبدو أنه شخصية مهمة كالعادة ليتوسط له عند انعقاد مجلس الإدارة، فوعده بالخير وشكره على مجيئه. وكانت المفاجأة حين انفض الاجتماع وقال رئيس مجلس الإدارة إنهم عينوا الشاب مديرا عاما، بحسب توصية العم خليفة، لأنه أحد أنسبائه!

طالب الرفاعي يملك فنية عالية في التحكم بكتابة القصة القصيرة، حتى إن هذه المقدرة تسيطر على كتاباته الروائية التي يمكن تسميتها بالروايات القصيرة.

back to top