«السترات الصفراء»... وأزمة الرأسمالية!

نشر في 06-12-2018
آخر تحديث 06-12-2018 | 00:19
 عبدالمحسن جمعة انتصرت حركة الشعب الفرنسي، المسماة بـ "السترات الصفراء"، في فرض إرادة الفرنسيين فيما يخص تحسين مستواهم المعيشي، ووقف ضريبة الوقود الجديدة، وفتح نقاش وطني على مدى ستة أشهر لمراجعة النظام الضريبي الفرنسي بما يحقق العدالة الاجتماعية، وزيادة الضرائب على الأغنياء وأصحاب الثروات، وهي انتكاسة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المحسوب على قوى النفوذ التجاري والصناعي العالمي.

الرئيس ماكرون، الذي كان يتحدث قبل ساعات بصرامة عن محاسبة المشاغبين، كما سمّى المحتجين الفرنسيين، تراجع عن حدة نبرته هو ورئيس وزرائه إدوارد فيليب، الذي اجتمع مع ممثلين عن حركة السترات الصفراء، وأعلن تعليق زيادة أسعار الوقود، وفتح حوار وطني يشمل كل النظام الضريبي المعقد في فرنسا، في حين تمتد حركة السترات الصفراء الفرنسية إلى عواصم أوروبية أخرى.

وقبل عدة أيام وصف مصدر في البيت الأبيض قرار شركة جنرال موتورز إغلاق 4 مصانع بالولايات المتحدة، ومصنع في كندا، وتشريد آلاف العمال، بأنه "قرار جشع"، خاصة أن تلك المصانع لم تكن تخسر، لكنها كانت تحقق أرباحاً بسيطة، رآها ملاك الشركة غير مجزية، دون أي اعتبار للمسؤولية الاجتماعية لذلك القرار، وهو ما يعكس الأزمات الكبيرة التي تسببها الرأسمالية المنفلتة والجشعة دون ضوابط أو حدود.

تبعات العولمة والرأسمالية الجامحة تفجر الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والتطرف حول العالم، وها هي أميركا أم "العولمة" تتراجع عنها، وتعيد فرض الضرائب والرسوم على السلع المستوردة، والناخب الأميركي والأوروبي ينتخب من يعده بإعادة الوظائف إلى بلاده، حتى لو كان غير متزن ومتطرفاً، مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والأحزاب المتطرفة في أوروبا، التي تعادي المهاجرين لأنهم يقاسمون الأوروبيين ثرواتهم، تفوز في الانتخابات، ويوم الأحد الماضي فاز حزب "فوكس" المتطرف والمعادي للأجانب والمهاجرين في انتخابات إقليم الأندلس الإسباني لأول مرة في تاريخه بخمسة مقاعد، وهو الإقليم الأكثر انفتاحاً وتسامحاً في السابق مع المهاجرين على المستوى الأوروبي، وهو ما قد يمكن تحالف اليمين المتشدد من السيطرة على برلمان الإقليم لأول مرة منذ عودة النظام الملكي الدستوري في إسبانيا.

أزمات الرأسمالية ستتصاعد مع زيادة بحثها الحثيث عن تقليص التكلفة والاعتماد على الذكاء الصناعي والروبوت في الصناعة والخدمات، وهو ما سيؤدي إلى فقد مزيد من الوظائف، والسعي المجنون إلى تعظيم الأرباح وزيادة الاستهلاك بشكل منفلت، دون أي مسؤولية اجتماعية، وهو ما سيؤدي إلى أزمات اجتماعية وأمنية خطيرة، لكن الشعوب الحية ذات التاريخ العريق في النضال للحصول على حقوقها لن تستسلم لذلك، وهو ما أطلقه الشعب الفرنسي من خلال حركة السترات الصفراء، التي ستشكل نقطة انطلاق لحركة نضالية ومواجهات كبرى سيشهدها العالم لتصحيح الأوضاع وترويض الرأسمالية المنفلتة.

back to top