لكم أعداؤكم... ولنا عدو لا شريك له!

نشر في 03-12-2018
آخر تحديث 03-12-2018 | 00:07
 خولة مطر كما الآلهة القديمة يخلقون العدو ثم لا يستطيعون أكله، بل سيبقون ينقشون أعلامهم ويرسلون الروايات عن ذاك العدو حتى يصدق الكذبة صانعوها، أليست تلك سمة الكاذبين أن تكذب وتكذب وتكذب حتى يصدقك الجميع، بل تصدق أنت نفسك؟!

تبحث عن عدو، ستجده حتما أو هم سيخلقونه لك، فلا تخف هناك الكثيرون منهم ينتظرون عند الناصية، قال رئيس التحرير لأشهر صحيفة منذ سنين طويلة: سأخلق لكم الحرب، وعليكم الذهاب لها حتى أغطيها؛ فيزداد ربحي وربحكم. مصانع للأسلحة وأخرى لمواجهتها، وثالثة للسلاح الأكبر اليوم، وهو سلاح التكنولوجيا والتنصت، فالجيوش لم تعد تغزو المدن التاريخية كبغداد بالدبابات والطائرات والصواريخ القادمة من المياه الصديقة إلى الأراضي الصديقة! لا لم تعد هي كذلك فقط بل انظروا لتلك الصورة التي تداولتها الوسائل مؤخراً للجيش الأكبر للعدو الإسرائيلي ولا عزاء للمطبعين، فهو العدو نعم وسيبقى. منذ تلك السنة أطلقوا ما شئتم عليها 1948 وقبلها عندما وعد ذاك الإنكليزي الذي لا يزال يعتقد أن إمبراطوريته لا تغيب عنها الشمس، وعدهم بوطن فوق أرض لشعب، اليوم وغداً لن تتغير تسميته، سواء أحب بعضكم الذي يكثر من تغريداته أو لم يحب، تبقى فلسطين آخر دولة تحت الاحتلال في العالم، تبقى فلسطين وشعبها تحت أسوأ نظام للفصل العنصري.

"الكفاح الفلسطيني المستمر منذ عقود في سبيل تقرير المصير والاستقلال والعيش الكريم يواجه عراقيل عديدة من بينها استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وتواصل أعمال العنف والتحريض، واستمرار بناء المستوطنات والتوسع فيها، والغموض الشديد الذي يلفّ مصير عملية السلام، وتدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، ولا سيما في غزة".

ليست هذه عبارة مقتطفة من خطاب لمسؤول عربي، لكنها جزء من كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمته بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث احتفل العالم بأجمعه بهذا اليوم (29 نوفمبر) إلا في كثير من العواصم العربية المرتجفة المصغية بعناية لخطاب أفيخاي أدرعي وهو يلقن المسلمين دروسا في الشريعة والإسلام والمبادئ والقيم والعلاقات والسياسة، ذاك الذي لا يتوقف عن إعطاء العرب دروسا في معرفة عدوهم الحقيقي!

تلك الصورة كانت للجيش الإلكتروني الإسرائيلي، وبما أننا نتحدث عن الجيوش فلا بد أن ننتبه لتسمية جيشهم "جيش الدفاع"؟ دفاع من؟ وعن ماذا؟ في حين جيوشنا إما أنهيت تحت مبررات عدة وإما أنهكت في حروب الطواحين والتدمير أو فتتت أو أصبحت تابعة أو أفسدت بفعل الميزانيات الضخمة الداعمة من قبل الولايات المتحدة تحت ذريعة دعم الجيوش العربية لمواجهة الإرهاب، أو العدو الجديد الذي خلقوه، وأقنعوا الكثيرين بأنه العدو الأكبر كما معاركهم الكبرى أو أمهات المعارك التي كانت!

صورة جديدة كان من المفترض أن تثير غضبا قد يعيد للذاكرة بعض ما تبقى من أثر لمرحلة كانت، حيث يزحف العرب من أزقة و"حواري" وأحياء عدة إلى الشوارع العريضة والميادين والجادات، يهتفون بأعلى أصواتهم ضد المغتصب الوحيد، كان العدو واحداً والأصدقاء كثراً من إفريقيا حتى آسيا وأميركا اللاتينية، كان من المهم أن تنتهي تلك المرحلة ليس بهزائم مشينة فقط، بل بانكسارات تصل أعمق أعماقنا، وتنخر في أصل المبادئ التي تربت عليها أجيال، كان من المهم أن تهتز تلك الصورة بل الصور، أو في أفضل الأوضاع أن تبدو جزءا من رومانسية لم تدم طويلا، وكان من المهم أن تفترق المسارات، في البدء نعود لنكون عربا فقط، ولسنا جزءا من حركة كونية ضد الاستعمار والاحتلال بكل أنواعه. ثم نفترق كعرب، ثم نفترق كخليجيين وشمال إفريقيين وشوام، ثم نفترق عند حدود المدينة والحي والشارع، ونفترق حتى نبدأ بطرح التساؤلات، ونسمح بأن توجه لنا أسئلة من قال إن "سكان" شمال إفريقيا عرب؟ من قال إنهم ليسوا أفارقة؟ ولماذا عليهم أن يختاروا بين أن يكونوا عربا أو أمازيغ أو بربرا أو كردا أو... أو ...؟ أفارقة أو آسيويين أو بشرا تجمعهم قيم ليست حكرا على جنس أو فصيل أو دين؟

لا شيء سوى الفراغ والأسئلة الموجعة في المساءات التي تكثر فيها ضحكات الصاعدين الجدد متقني اللغات كل اللغات إلا عربيتهم، عارفي كل أصناف الأطعمة والماركات العالمية إلا تاريخهم العريق، في مساءات هؤلاء أو العرب الجدد لا تسلية سوى المسخرة من القوميين والمناهضين للتطبيع والمتابعين لأفيخاي أدرعي وتغريداته المسلية جداً!

فمرحى لهم هم وأعداؤهم الجدد الأقرب لهم من الوريد، ومرحى لنا قضيتنا التي تكبر خارج أوطانها، لأنه "لا كرامة لنبي في وطنه".

* ينشر بالتزامن مع "الشروق المصرية

back to top