اطلب الأمن ولو في الصين!

نشر في 13-07-2018
آخر تحديث 13-07-2018 | 00:10
 د. حسن عبدالله جوهر إدارة الشؤون الخارجية تحتاج إلى هندسة دقيقة تفرضها مقتضيات العلاقات الدولية المعقدة والمنطلقة وفق مرئيات المصالح القومية وتحكمها موازين القوة والهيمنة، ونجاح الدول الصغيرة في رسم سياستها الخارجية بشكل مستقل ومتوازن يحفظ أمنها دون استعداء الآخرين بحاجة إلى حكمة وبصيرة وإرادة حقيقية.

مهمة سمو الأمير كضيف شرف في انطلاقة منتدى التعاون العربي الصيني جسدت هذا المنظور الذي لا شك قد يواجه بتحديات تتطلب برنامجاً واضحاً ودقيقاً وجاداً لترجمته على أرض الواقع، فالصين يمثل العملاق الحضاري الذي خرج من قمقمه، وتدل الكثير من المؤشرات على الدور العالمي الكبير لهذه الدولة العظمى خلال العقود القادمة، إلا أن ما يميّز الصين أنها قوة ضخمة لكنها ناعمة وقادرة على الاختراع السريع والتغلغل المباشر في شرايين التجارة والاقتصاد والثقافة والفن دون الحاجة إلى استخدام القوة المسلحة، أو اللجوء إلى سياسة البلطجة والنظرة الفوقية التي مارسها الغرب بثوبه الاستعماري أو الحديث الذي ورثته الولايات المتحدة، كما يجسدها الآن دونالد ترامب.

الشيخ صباح الأحمد لم يتحدث باسم الكويت، رغم المنافع الكبيرة التي ستجنبها بلده من الاستراتيجية الجديدة، لكنه تحدث باسم مجلس التعاون والأمة العربية في رسالة صريحة وواضحة مفادها أن الشراكة الاقتصادية تتطلب بيئة أمنية لا تحتمل الصراع والتوتر، فطلقة رصاصة واحدة من شأنها نسف مثل هذا المشروع التجاري، كما أن خطوات سمو الأمير العملية هي وصية لدول المنطقة بمختلف توجهاتها وأنظمتها السياسية للاستثمار في الاقتصاد بدلاً من الإنفاق على الصراعات، والبناء عوضاً عن الهدم والحوار لا الصدام، واختيار من يحترمنا ونحترمه لا من يبتزنا ويهيننا، ولعل أسمى هدف من السياسة الجديدة يتمثل بالأمانة التاريخية لحفظ أمن واستقرار دول المنطقة وشعوبها في المستقبل بعدما عاش آباؤهم وأجدادهم رغد العيش ونعمة الأمن والثروة، دون أن نتركهم ليواجهوا زمن التحديات والصعاب وتراجع أهمية النفط وتنامي التهديدات.

المشروع الصيني وبكل موضوعية ووفق ما تم الإعلان عنه برنامج واعد وحيوي على المستوى الكويتي بما يخلق من فرص عمل وتغيير سلوك المواطن من موظف إداري يعتمد على الروتين الوظيفي، ليستلم راتبه غير منقوص في نهاية الشهر وسط تفشي الأمراض الإدارية والصراع على المناصب واستغلال المال العام، إلى الإنتاج المرتبط ببرامج تنموية ومؤشرات استدامتها، ناهيك عن نقل التقنيات الحديثة وتوفير مصادر جديدة للدخل والأهم من ذلك تحقيق متطلبات الأمن الوطني والتوازن في العلاقات الخارجية.

التحدي الأكبر الذي نواجهه ونحن في أعلى مستويات الترهل الإداري والفساد المالي والإحباط الشعبي والقلق من المستقبل يتمثل بالاستعداد بكل جدية لمثل هذا العهد بدءاً بوضع القواعد التشريعية المناسبة لهذه النقلة الكبرى، مروراً بوضع الخطط الواضحة بجداولها الزمنية المطلوبة، وانتهاء بالسياسة العليا المشرفة على ذلك.

فنحن نتعامل مع دولة اسمها الصين التي بدأت قبل عشرين سنة عندما وقعت معنا مشروع الحرير كأول بلد في العالم، فوصلت قطاراتها إلى إيران ولندن في حين ما زال مسؤولونا يلعبون "الجنجفة" في الديوانية!

back to top