صورة شخصية للحب والحرب

نشر في 03-07-2018
آخر تحديث 03-07-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري بعد قراءة مجموعة من أعمال الشباب والشابات في الكويت، كي لا أعمم الحالة دون علم، لاحظت أن الشباب أكثر ارتباطا بالرواية واعتمادها شكلا أدبيا تعبيرا عن قضايا مجتمعية بالدرجة الأولى. على الجانب الآخر، تختار الشابات الشكل الشعري للتعبير عن الذات أو الموضوع، والذي غالبا ما يكون فلسفيا أو جماليا. هذه الأعمال هي الأولى لهؤلاء المبدعين تناولت مجموعة منها في قراءات سابقة، وسأعيد هنا للتذكير بها مثالا لا حصرا: عبدالله الحسيني، خالد تركي في الرواية ومريم العبدلي وتهاني فجر في الشعر.

تهاني فجر لا تكتب الشعر ليمس مشاعرنا أو يحرك بنا شعورا تقصده، ولكنها ترسم لنا لوحات شعرية تصدمنا أحيانا لنعيد تشكيل هذه اللوحات وإعادة رسمها. لا تنقص هذه اللوحات القدرة على الاختزال ولا الجرأة في التعبير، ما يميز لوحات تهاني فجر الشعرية أنها لا تبتعد في مضامينها عن فكرة أساسية تناولتها بتنويعات وألوان وخطوط مختلفة. هذا الحرف الذي يفصل بين الحب والحرب يحمل في تفاصيل الحالتين أسى متشابه. حين نعتقد أن ما تكتبه تهاني فجر هو الحب نخطئ بالرغم من الحسية المباشرة أحيانا في تصويره. ما تكتبه تهاني فعلا هو ليس الحب وإنما فقد هذا الحب ومحاولة إعادة تشكيله وبعثه من العدم.

في صورة شخصية للحب، وهي اللوحة التي حملت عنوان المجموعة الصادرة حديثا عن دار المتوسط – إيطاليا، تحاول الشاعرة أن تعيش حالة من الحب الأبدي، الحب المستحيل،

"تعال.../ نلتقط لهذا الحب صورة/ ونحتفظ به إلى الأبد"

هذا الحب الذي تجسده في اللوحة ليس بالضرورة حبا معاشا وليس هو علاقة حقيقية بين عاشقين قدر كونه محاولة حب لم تنجح حتى الصورة بالاحتفاظ به.

هذه الحالة من الفقد لا تلد حبا ولا تترك سوى حالة من العقم تشكله الشاعرة بصورة فريدة ومؤلمة في الوقت نفسه،

"أنا وسواس خطيئة /لم يرتكب بعد/ بطني منتفخة ولم يمسسني أحد / فقط ثمة عاقر /نسيت أولادها في رحمي".

هذه الحرب التي تشتعل فوق رؤوسنا لم تمنحنا القدرة على الحب، ولم تسمح لنا بالاحتفاظ بهذا الحب، إن وجد. هذه الحرب التي تفتك دائما بصور الحب تبعد الكتف عن الكتف والفم عن الفم. هذه الحرب الحقيقية تمتلك القدرة حتى على قتل خيال الحب أيضا.

"لو أنك معي الآن /لرأينا معا الحرب/ وهي تتلصص علينا /من ثقب الباب".

ولكنك لن تكون هنا في الحرب ولن يجتمع الحب والحرب في مكان أو قلب.

في هذا العمل صغير الحجم الكثير من الجهد في التشكيل اللوني للقصيدة، الكثير من الوجع والفقد. في محاولة تهاني فجر لرسم صور حب في زمن الحرب هناك إبداع حقيقي لشاعرة تجيد مزج ألوان الكلمات، شاعرة لا تنقصها الجرأة في الكشف ولا يمنعها التحفظ من طمس ملامح اللوحة الشعرية. صورة شخصية للحب عمل شعري مشبع بالفن يستحق الاحتفاء الذي حظي به منذ صدوره.

ما يقدمه الشباب اليوم من كتابة صادمة ومغايرة هو ما سيرسم ملامح الأدب القادم، وقد آثروا التحدي ليكونوا أبناء زمنهم لا نسخا ممن سبقهم. سيعانون قليلا ولكنهم سينتصرون.

back to top