وانتصر الفساد...

نشر في 14-03-2018
آخر تحديث 14-03-2018 | 00:15
No Image Caption
منذ سنين خلت ومضت ونحن نسمع تارة بأن الفساد قد استشرى في عدد كبير من مؤسسات الدولة وأجهزتها، وتارة بأن الدولة جادَّة في محاربته.

ومع تعاقب السنوات، ومُضيّ الوقت، انتشر الفساد، حتى أصبحنا في مؤشرات الفساد الدولية والعالمية، متربعين في مقدمة الدول التي يحكمها الفساد ولا تحكمه.

لم تكن فضائح الفساد غائبة عن الناس، ولا عن المسؤولين في أجهزة الدولة، وفي إداراتها الحكومية.

آخر فضائح الفساد، ولن تكون الأخيرة، هي، على سبيل المثال لا الحصر، فضائح وزارة الصحة، وإلغاء صفقة الأنابيب، وغيرها الكثير مما ينخر في الجسم الحكومي وإداراته، والنتيجة لم يُعاقب أحد.

ويبقى السؤال قائماً: ماذا فعلت الحكومة؟ وبماذا بادرت حتى يكون للناس ثقة أو لنقُل أمل بأن هناك خطوات جادَّة لمواجهته ومحاربته؟

الحكومة تقرُّ بوجود الفساد، لكنها لم تقرر بعد مواجهته. شكلت لجاناً فرّخت لجاناً لمكافحة الفساد، وأخيراً لجاناً لمتابعة ذلك، ومتى ما حضرت اللجان وكثرت غابت القضية في دهاليزها، ثم تُحفظ في أدراجها.

انتصر الفساد على حساب الصلاح، فله أرباب ترعاه وتحميه، وله متواطئون متنفعون منه، وهم أقوى من إرادة الدولة ولجانها وهيئاتها.

تدرك الدولة والقائمون عليها أن الناس تطبَّعت بمقولة "من أمِن العقوبة..."، فكم مسؤولاً أو فاسداً ومفسداً تمت معاقبتهم؟

والمسؤولون ليسوا بحاجة لتعريفهم بهؤلاء، فهم يعرفون جيداً الصالح من الطالح، فيحاربون الصالح ويكافئون الفاسد، بل يدافعون عنه، ويتشبثون به، ليبقى في منصبه.

وقد تداخلت طرق الفساد وقنواته، أوضحها تنازل الوزراء لأساليب الابتزاز السياسي، الذي تمارسه قوى برلمانية، أو أفراد يشترون مصالحهم ويحمون مفاسدهم بفواتير سياسية، أو بمتنفذين لهم مصالح مشتركة مع هؤلاء، أو من خلال علاقات قرابة وصلات عائلية.

لقد انتصر الفساد، وساد المفسدون، ولنا في تاريخ الإدارة حكومات تعاقبت وتعاقبت، لكنها ما يوماً عاقبت، ولا يوماً حاسبت، ولم نسمع عن مفسد نال جزاءه، حتى الذين يتحججون بالقول إن المفسدين أمام القضاء أعجز من أن يؤكدوا يقينهم بفساد هؤلاء.

أغرب ما في الأمر أن الكل يُقر بوجود الفساد واستشرائه وتفشيه، لكن لا أحد يريد أن يقرر، خوفاً من أن يدفع ثمن قراره.

إن مدركات الفساد ومؤشراته ليست بحاجة إلى التأكد منها أو التشكيك فيها، فحقائقه واضحة جلية للجميع، لا ينكرها إلا المفسدون أنفسهم أو الجاحدون في معيتهم والمتنفعون منهم، والغافلون.

لقد انتصر الفساد، وسيطرت أدواته على مفاصل الدولة، وتغلغلت في شرايينها، وحكمت إرادتها، وملكت قراراتها، فلنعترف أن الفساد قد انتصر، فمن يعلق الجرس؟!

الجريدة

back to top