6/6 : داخلها مفقود

نشر في 23-02-2018
آخر تحديث 23-02-2018 | 00:20
 يوسف الجاسم مئات المقالات والدراسات والمؤتمرات والخطط، تم تدبيجها وتأليفها وعقدها منذ ما يزيد على أربعة قرون، من أجل تحقيق الحلم الأكبر، وهو تبسيط الإجراءات وفك التشابك بين الأجهزة الحكومية.

قفزنا بأحلامنا إلى الجرأة المشروعة بأن نستعيد دورنا كمركز مالي وتجاري إقليمي ينافس نمور الخليج، الذين نهضوا دون ضجة وتقدموا دون غناء وحداء، ونافسوا بالأفعال لا الأقوال، وأصبحوا ملاذات آمنة للمستثمرين الأجانب الذين لا يعانون بيروقراطيات حكومية خانقة، تهدر معها الجهود والأموال والوقت الذي هو بالأصل مال ورزق، مثلما يعانونه هنا في الكويت، وهي معاناة ليست مقتصرة على المستثمر الأجنبي، بل والمحلي على حد سواء، وليس المستثمر أو المتطلع للاستثمار، بل المواطن العادي البسيط الذي قد يسوقه حظه العاثر ليجري معاملة حكومية بسيطة، فيدخل في دوامات لا تنتهي من:

مستندات تتكرر بين مكتب وآخر في نفس الوزارة، وبينها وبين الوزارات الأخرى، ووجوب مثول صاحب العلاقة شخصياً مسلحاً ببطاقته المدنية الأصلية، التي أصبحت جواز السفر المعتمد للتنقل بين الوزارات والإدارات الحكومية، وبدونها فلا معاملة تُقضى ولا مصلحة تنقضي. ولن يجد المواطن في تعامله مع الدوائر الحكومية أثراً للحكومة الإلكترونية إلا ما ندر، لأنه مجبر على التسكع بين الدوائر الحكومية المتناثرة بين الرقعي ومبارك الكبير والرميثية والضجيج وقصر العدل ومجمع الوزارات وبرج التحرير وشارع خالد بن الوليد، ولا عزاء لإدارة المرور وازدحام الطرق ولا للإنتاجية الوظيفية، حيث يلهث الكل ويسعى شخصياً خلف معاملة كان يمكن إنجازها بالهاتف أو البريد الإلكتروني مثل بلدان خلق الله المحترمة، والتي تقدر البشر، وفي دولة لقبت عاصمتها بالإنسانية، مما يعني أنه من ضمن استحقاقاتها التسهيل لا التعسير على البشر في تعاملهم اليومي مع الدوائرالحكومية، التي يحييك موظفوها بنظرات الشك والريبة بمجرد بدئك معاملة ما، لأن ثقافة الموظف الحكومي المكتسبة من ثقافة الشبكات الرقابية والحمائية المعقدة والغائصة بالبيروقراطية المستوردة من دول هي مضرب الأمثال في الروتين والتعقيد؛ أن الجميع حرامية ولصوص حتى يثبتوا العكس، بينما الحرامية الكبار يدبرون أمورهم بليل خارج المكاتب، وتصلهم "النغصات" من "راس مرفوع" حسب التعبير الدارج.

وعليه، يتفاخر الموظف الحكومي بين ربعه بكم معاملة يعرقل، لا بكم معاملة ينجز، كما كتبت سابقا!

في الدوائر الحكومية "نفّذ دون أن تناقش"، وإلا وجدت نفسك ومعاملاتك ضمن القوائم السوداء وتذهب مصالحك الآنية والمستقبلية وراء الشمس أو الحبس والغرامة عند نقاشك للموظف العمومي بصرف النظر عن تعسفه! لأنك في نظره تهينه ولا تنفذ طلباته الظالمة، في حين أن الأمر والنهي أولاً وآخراً بيده هو والمستشار الضرورة اللذين لا يأتيهما الباطل من بين أيديهما ولا من خلفهما، وهم يعتقدون أنهم، بمثل هذا التعقيد، يحاربون الفساد، في حين أنهم يصنعونه بوجود طحالب من صغار الموظفين يعتاشون على التعقيدات التي يسهّلونها للمراجع (بحق الشااااي)، ويعلم الله كم يتحصل من هذا الحق لهم ومن يعلوهم من رؤساء، ممن تتراكم تحت أيديهم مئات المعاملات التي يمكن أن ينهيها الكمبيوتر دون عناء أو إتاوة!

يا حكومتنا الرشيدة، الداخل للدوائر الحكومية مفقود والخارج منها مولود!

وكل عيد وطني وديرتنا بخير.

***

همسة:

شكراً لسمو أميرنا رعايته للغارمين واليتامى، ومبروك للمحبوسين المفرج عنهم، والعقبى لحكم الإفراج النهائي.

back to top