المعايير القانونية بين الضعف والجودة

نشر في 09-01-2018
آخر تحديث 09-01-2018 | 00:19
 طلال الشريدة دكتور في تخصص القانون لا يعرف الفرق بين الحكم النهائي والحكم البات، مستشار قانوني يفتي برأي فاسد فيحصن قرارات ترقية صادرة لأساتذة جامعة مزورين بذريعة أن التزوير اكتشف بعد صدور القرارات لا قبل ذلك، ومحامٍ يجهل الفرق بين الإلغاء النسبي والإلغاء المجرد للقرار الإداري.

أعتقد أن الأمثلة السابقة تكفي لبيان ضعف معايير جودة التعليم، وضعف مخرجاته في مجال القانون، فإذا أردت المزيد من الأمثلة، فسِرْ في جولة مكوكية سريعة بين حسابات القانونيين في وسائل التواصل الاجتماعي، وخُذْ مَا تَراهُ، ودع شيئاً سَمعت بهِ، ففي طلْعة الشمس ما يُغْنِيكَ عَنْ زُحل.

ليست المشكلة في جهل بعض رجال القانون بالقوانين ذاتها، فهذه ظُلْمَةٌ واحدة، بل في جهلهم كذلك بالمنطق، وجهلهم باللغة العربية، مما يُصير الظلمة الواحدة ظُلُمَات بَعْضها فَوْق بَعْض.

لماذا هي ظُلمات؟ لأن القوانين هي وسيلة الدولة للاستقرار وفرض النظام، فإذا كان المنوط به إعداد القوانين جاهلاً بها، فستصدر قوانين متعارضة، مما يؤدي إلى غياب الاستقرار، وإحلال الفوضى محل النظام، ومن ثم إلى انهيار الدولة.

أما بالنسبة إلى المنطق، فإنه جوهر القاعدة القانونية، وأداة لتفسيرها وتطبيقها، كما أنه عِماد لكل من يشتغل في مجال القانون سواء كان مشرعاً أو قاضياً أو فقيهاً.

ذلك أن التشريع المُحكَّم، هو في واقع الأمر وليد منطق سليم، فإذا غاب المنطق عن التشريع فلن يكون التشريع مُحكَّماً، وأن القضاء العادل هو نتاج استخلاص سائغ بمنطق سديد، فإذا غاب المنطق فلن يكون أي استخلاص سائغاً، ومن ثم لن يكون القضاء عادلاً، وأن الحلول والاجتهادات الفقهية الصحيحة هي نتاج منطق صحيح، فإذا كان الفقيه جاهلاً بقواعد المنطق فلن يجد الحلول وستكثر اجتهاداته الخاطئة.

وأما اللغة، فإنها لازمة لكل عمل يتصل بالتعبير عن الأفكار، فإذا كانت اللغة غير صحيحة فإن ما يقال لا يكون هو المقصود، وسيترتب على ذلك غموض القوانين، مما يؤدي إلى عجز الأفراد عن فهمها وتطبيقها، بل سيصير تكليفهم بتطبيقها تكليفاً بمستحيل، كما أن العمل القضائي نصفه الأول لغة ونصفه الآخر قانون، فإذا زال النصف الأول زال النصف الثاني، والعكس صحيح، فكل منهما يؤهل للآخر.

إننا جميعاً نعيش تحت هيمنة القانون من الميلاد حتى الوفاة، فنحن نشتري، نبيع، نعمل، ندرس، ونعالج طبقاً لقواعد في القانون، ونظراً لهذا الحضور المهيمن للقانون على حياتنا، يجب أن يدرك المسؤولون في الدولة خطورة ضعف جودة التعليم ومخرجاته في مجال القانون، كما أن علينا، نحن المختصين في مجال القانون، أن ندرس، ونجتهد لخدمة هذه الدولة، وألا نفرط في الاجتهاد لتَكاسُلٍ فتصبح الدولة ضحية من ضحايا تَكاسُلنا، والحمد لله أن للمجتهد أجرين إن أصاب، وأجراً إن أخطأ، والله الموفق والمعين.

back to top