آن الأوان لتتولى أوروبا قيادة عملية السلام

نشر في 17-12-2017
آخر تحديث 17-12-2017 | 00:06
 شبيغل لم يحب الصهاينة القدس يوماً، حلم ثيودور هرتزل أبو الصهيونية بعاصمة شمال البلاد على منحدرات جبل الكرمل المطل على البحر الأبيض المتوسط، وكان ينظر نظرة احتقار إلى الحائط الغربي (حائط البراق) في القدس، فقد كتب ذات مرة: "كم تلف الخرافات والتعصب كل جوانبه!".

من المؤسف أن الصهاينة لم يحصلوا على مبتغاهم لأن وضع مدينة القدس تحوّل إلى محور صراع منذ أعلنتها إسرائيل عاصمةً لها قبل نحو سبعين عاماً، وصب ترامب أخيراً دلواً كبيرة من الزيت على نار هذا الصراع بإعلانه اعتراف الولايات المتحدة رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى هذه المدينة من موقعها الحالي في تل أبيب.

لكن هذه الخطوة تقوّض مكانة الولايات المتحدة كوسيط، ولا شك أن إسرائيل ستشعر أنها في موقف أفضل يتيح لها مواصلة تجاهلها الدعوات إلى التنازل، وأظهرت حكومة نتنياهو في مطلق الأحوال أنها تفضل فرض الوقائع على الأرض، مواصلةً بناء المستوطنات ومخبئة الفلسطينيين خلف أسوار مطلية بألوان زاهية، أما الفلسطينيون من جهتهم فيشعرون أنهم سيخسرون في نهاية المطاف. على سبيل المثال يُقال إن خطة السلام المفترضة التي طورها صهر ترامب غاريد كوشنر لا تتضمن مطالبهم الأكثر أهمية، فما الداعي للتفاوض؟

إلا أن قرار ترامب لم يثر الاضطرابات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية فحسب، بل في سائر أنحاء العالم العربي أيضاً، لكن الجميع خاسرون مع هذا القرار، حتى الولايات المتحدة التي ضحت اليوم بالمزيد من مصداقيتها في الشرق الأوسط.

حتى الإسرائيليون قد يجدون أنفسهم بين الخاسرين من جراء هذا القرار، ولا يعود ذلك إلى أن هذا الصراع ساهم دوماً في تمكين المتطرفين، فقد يؤدي قرار ترامب أيضاً إلى إبعاد إسرائيل أكثر عن أوروبا. يُكثر المسؤولون الإسرائيليون في الآونة الأخيرة الكلام عن أوجه شبه مع أوروبا مشددين على القيم، والثقافة، والاقتصاد، ويتساءلون: لمَ يصر الأوروبيون دوماً على القضية الفلسطينية ويؤكدون أنها مسألة غير ذات أهمية، لكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فهذه المسألة ترتبط بالقيم السياسية؛ لذلك يُعتبر التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية نقطة محورية في العلاقة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، لكن قرار ترامب يزيد هذا الحل صعوبةً، مباعداً أكثر بين الأوروبيين والإسرائيليين، ويبقي الجرح الأكثر عمقاً في العلاقة بين الغرب والعالم العربي مفتوحاً.

بفضل ترامب بات جلياً اليوم أن عملية السلام ليست إلا عبارة فارغة، وأن هذه العملية أضحت معطلة راهناً، ونتيجة لذلك يعود إلينا نحن الأوروبيين الآن التوصل إلى أفكار وصيغ جديدة، مهما بلغت هذه المهمة من صعوبة، ومن الضروري تطوير هذه الأفكار، عندما يكون ذلك ممكناً، بالتعاون مع الدول العربية المعتدلة.

يرى وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في هذا الوضع الجديد في الشرق الأوسط فرصة ممتازة، فيجب ألا يكون أي صراع أكثر أهمية بالنسبة إلى أوروبا من الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

* جوليان فون ميتلستادت

*«شبيغل»

back to top