هارفي يقلب الطاولة: شركات الاستثمار تسوق الأكاذيب وتتلاعب بمشاعر المستثمرين

رئيس أكبر جمعية للتمويل: لو كان مديرو الأصول بهذا القدر من الذكاء فلمَ لم يصبحوا أثرياء؟

نشر في 22-04-2017
آخر تحديث 22-04-2017 | 00:00
No Image Caption
لدى معظمنا شعور دفين بأننا تعرضنا للخداع من قبل شركات الاستثمار، التي تفرض رسوماً باهظة بينما لا تقدم لك أي نتائج أفضل من اختيارك بطريقة عشوائية لأسهم مدرجة في البورصة، ولا شك في أن اكتشافنا أننا على حق في ذلك أمر يبعث على القلق، ومن المهم أن نفهم أين يكمن الخطأ.
في يناير الماضي ألقى كامبل هارفي في فندق بشيكاغو خطاباً رئاسياً حاسماً للخلاف أمام جمعية التمويل الأميركية، وهي الجمعية الرائدة في العالم في ميدان بحوث الاقتصاد المالي، معربا فيه عن الاستياء - بهدف نشر ذلك في الصحف – من جودة المعلومات المتاحة.

قال كامبل هارفي، إن هناك ثمة رغبة جامحة في "تعريض البيانات للتعذيب" عبر إعادة فحصها إحصائياً مرة بعد أخرى وتعريضها لعدة اختبارات من أجل اثبات أن لها تأثيراً مهماً على متغير معين.

وأضاف هارفي وهو أستاذ بكلية "فيكوا" للدراسات الاقتصادية بجامعة ديوك: "لسوء الحظ غالباً ما تكون طرق الاختبار غير ملائمة للرد على الأسئلة المطروحة. نحن لسنا مسوقين لعلامات تجارية، بل علماء".

المشاكل التي لمسها هارفي على المستوى الأكاديمي تبدو أشد وطأة في عالم الاستثمار، فأدوات التداول في أسواق المال وعلى نطاق واسع مثل صناديق تداول العملات exchange-traded funds قد تم بناؤها باستخدام نفس التقنيات والفرضيات الإحصائية الخاطئة ذاتها الموجودة في مجلات البحوث الأكاديمية، كما أن معظم البحوث التطبيقية في عالم المال قد تكون مخطئة– بحسب ما توصل اليه هارفي في ورقة نشرها مع زميل له بجامعة ديوك يدعى يان ليو في سنة 2014".

وهذا يعني أن نصف الأدوات المالية التي تعد الناس بتحقيق عائد ممتاز والتي تسوقها شركات الاستثمار للعملاء هي غير صحيحة.

لدى معظمنا شعور دفين بأننا تعرضنا للخداع من قبل شركات الاستثمار التي تفرض رسوماً باهظة، بينما لا تقدم لك أي نتائج أفضل من اختيارك بطريقة عشوائية لأسهم مدرجة في البورصة، ولا شك أن اكتشافنا أننا على حق في ذلك أمر يبعث على القلق، ومن المهم أن نفهم أين يكمن الخطأ.

أساس المشكلة

يتمثل صلب المشكلة في أن من الصعب التفوق على السوق، لكن الناس يستمرون في المحاولة على أي حال. كما أن وفرة قوة الحوسبة تجعل من الممكن اختبار الآلاف بل وحتى الملايين من استراتيجيات التداول. وتتمثل الطريقة القياسية في معرفة كيفية عمل الاستراتيجية خلال تقلبات السوق في العشرين سنة الماضية– وكطريقة اختبار للجودة يتم بعد ذلك اختبار هذه التقنية على معلومات منفصلة "من خارج العينات" أي بمعزل عن المسار التاريخي للسوق.

لكن ترك هذا النوع من الاختبارات في الأيدي الخطأ قد يفضي إلى هفوات فادحة، فقد تبين ذات مرة أن أفضل متغير يمكنه التنبؤ بحركة مؤشر ستاندرد آند بورز 500 – من بين كل البيانات المتاحة في قاعدة الأمم المتحدة – هو كمية الزبدة المنتجة في بنغلاديش.

إن الأمر أسوأ من ذلك بالنسبة إلى المعلومات المالية لأن الباحثين يملكون المزيد من المفاتيح الصالحة للبحث عن "أمر خارق" ثمين – وهو أسلوب مذهل في المعلومات يبدو وكأنه يدر مالاً.

وفي وسعهم تنويع الفترة، أو مجموعة الأسهم موضع البحث، أو حتى الطريقة الإحصائية. ويتم إخفاء النتائج السلبية في الأدراج بينما يتم إعلان النتائج الإيجابية للمراقبين أو طرحها كأدوات مالية للتداول، نعتمد على أدائها بعد التقاعد. واختبار معلومات من خارج العينة، قد يبقيك نزيهاً وصادقاً وقد يساعد، لكنه لا يعالج المشكلة. ومع اختبارات كافية قد تظهر في نهاية المطاف، وحتى بطريق الصدفة التأثيرات، التي تريدها.

ويشير تعبير هارفي المتعلق بتعريض المعلومات للتعذيب إلى الأساليب التي تستهدف تأكيد أهمية بيانات إحصائياً.

ويقول أندرو لو وهو مدير مختبر الهندسة المالية في معهد ماساشوستس للتقنية " كلما بحثت في الماضي كلما كان الاحتمال أكبر في أن تتوصل إلى نماذج غريبة قد تحب أن تركز عليها، ولكن قد لا تتكرر تلك النماذج".

لم تكن تلك الخدع ضرورية عندما كان بوسع رجال وول ستريت تحقيق عوائد جيدة من خلال مهاراتهم في اختيار الأسهم. وقد أصبحت تلك الطريقة أكثر ندرة عندما غدا واضحاً أن قلة تستطيع التفوق على صندوق مؤشر أس آند بي 500 مثلاً.

صناديق المؤشرات تكون رخيصة لأن رعاتها لا يحتاجون إلى تشغيل موظفين من ذوي الرواتب العالية لاختيار الأسهم، لكنها ليست مثالية. ويتم تقييم الأسهم في المؤشر وفقاً لقيمة السوق، وهكذا فإن سهم أبل هو 3.7 في المئة من إس آند بي 500 فيما يبلغ سهم نيوز كورب من روبرت ميردوخ 0.008 في المئة فقط. وعندما يرتفع سعر لأي سبب كان يتعين على الصندوق شراء المزيد منه وهو قد لا يكون الخيار الأكثر حكمة.

رد وول ستريت هو الطراز الاستثماري الأكثر انتشاراً اليوم: البيتا الذكية. وفي نهاية شهر فبراير الماضي تم استثمار أكثر من 500 مليار دولار في صناديق مبادلات الأسهم في الولايات المتحدة التي تستخدم استراتيجيات بيتا الذكية – بحسب معلومات جمعتها بلومبرغ. و"بيتا" هي لفظ مميز يتعلق بالعوائد، التي تحصل عليها من خلال الاستثمار عندما تمتلك شريحة ومن سوق الأسهم كله. ويشير تعبير "ذكية" إلى انفصال الصلة مع قيمة السوق.

ويمكن تقييم الأسهم في مؤشر بيتا الذكية من خلال أي شيء من مبيعات الشركة أو القيمة الدفترية إلى مكونات خاصة مثل "الجودة" (وفقاً للنظرية القائلة إن الشركات الجيدة الإدارة تميل إلى التفوق في سوق الأسهم).

ولكن المشكلة تتمثل في أن مديري الصناديق برعوا تماماً في المنافسة على أموال المستثمرين. لكن المؤسف أن الإبداع لا يضاهي النجاح. وحسبت "فانغارد" وهي مدير استثمارات كبيرة أن أموال التبادل في سنة 2012 نجحت تماماً في اختباراتها الارتجاعية وتفوقت على السوق بنسبة 10 نقاط مئوية في السنة وسطياً خلال السنوات الخمس التي سبقت إعلانها حية ثم تراجعت في أداء السوق بنقطة مئوية واحدة في السنوات الخمس التالية.

وتعاني أكثر الاستراتيجيات تقدماً وتعقيداً من القدر الأكبر من الهبوط من اختباراتها الارتجاعية، بحسب مقالة نشرتها صحيفة جورنال أوف بورتفوليو مانجمنت.

واندلعت معارك حول من يطرح ومن لا يطرح أفكار استثمار زائفة. وحققت اي كيو آر كابيتال مانجمنت أوف غرينتش، التي بدأت على شكل صندوق تحوط نمواً سريعاً عن طريق إدارة أموال الآخرين عبر صناديق "بيتا" الذكية. وهي تركز على "عوامل" مثل الجودة والزخم، التي تقول إنها تفضي إلى تفوق موثوق في الأداء، كما أن مؤسسها كليفورد أسنس ملياردير. ويقول منافسه روب أرنوت، وهو مؤسس ورئيس تنفيذي في ريسيرتش أفيلييت في نيوبورت بيتش في كاليفورنيا، إن كليفورد حقق عملاً متميزاً خلال سنوات عمله.

ويرد أسنس بالقول، إن الشركتين "تؤمنان على نطاق واسع بمجموعة متشابهة جداً من العوامل مثل القيمة والخطر المتدني والزخم، ويضيف

"توجد أدلة قليلة على حتى الآن على أن العامل القائم على الجودة في بحوث اي كيوآر يعمل الآن بصورة مختلفة عما كان الحال عليه خلال الاختبارات الارتجاعية.

ومن جهة أخرى يقول روبرت نوفي-ماركس وهو بروفسور في كلية سيمون للدراسات الاقتصادية في جامعة روشستر، الذي عمل مستشاراً لدى اي كيو آر في الماضي " حتى إذا كان أداؤها ضعيفاً حقاً، فأنت لن تعرف ذلك لعدم وجود الوقت الكافي بعد العينة لتحديد الزعم بطريقة أو بأخرى".

تطبيق القول المأثور

هنا ينطبق القول المأثور: إذا كان مديرو الأصول وأساتذة المال من ذوي الذكاء الفائق فلماذا هم ليسوا من الأثرياء ؟ الأموال الضخمة تحققها شركات تتجاهل النظرية المالية. وشركة رينيسانس تكنولوجيز في لونغ آيلاند تعج بأساتذة الرياضيات والفيزيائيين، لكنها لن توظف حامل شهادة دكتوراه في الأمور المالية.

كما أن تو سيغما انفستمنتس تدار من قبل علماء حواسيب وأساتذة رياضيات، وقد تأسست دي اي شو من قبل بيولوجي حواسيب وهكذا. وفي انعكاس لازدراء أساتذة الرياضيات لحالة الترهل في الميادين المالية أشارت مقالة نشرت في سنة 2014 في نوتسسز أوف ذي أميركان ماثيماتيكال سوسايتي إلى المبالغة في تقييم الاختبارات الارتجاعية قائلة إنها "رياضيات زائفة وشعوذة مالية".

وقد كتب هارفي منذ أكمل فترة رئاسته لجمعية التمويل الأميركية، يقول إن التمويل يتخلف عن الميادين الأخرى بما في ذلك علم الوراثة في التأكيد على أن نتائجه صالحة من وجهة إحصائية.

وقال في شيكاغو "العديد في مهنتنا، بمن فيهم أنا عرضوا المعلومات على اختبارات غير كافية في الماضي".

وأثار ذلك الخطاب استياء البعض وهو يقول الآن " لكن لا بأس في ذلك، ومن أجل دفع الميدان إلى الأمام يتعين عليك في بعض الأوقات ألا تكون محبوباً جداً".

back to top