6/6 : زمن الاستباحة

نشر في 21-04-2017
آخر تحديث 21-04-2017 | 00:24
 يوسف الجاسم ما يجري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من استباحة غير معهودة في المجتمع الكويتي، متمثلة بتناول شخوص بالتشكيك في انتمائهم الوطني، بالرغم من مكانتهم المقدرة واعتبارهم الشخصي الرفيع، وبالرغم من دورهم البارز في خدمة الوطن والتفاني من أجله، إنما يعد لوناً جديداً من ألوان الانحدار بالأسس التي تقوم عليها اللحمة المجتمعية، التي نشأت عليها الكويت، وانتهاكاً لكرامات الناس، وإشعال حرب بين أبناء المجتمع لن تقل خطورة عن الغزو العراقي، بما استخدمه من أدوات تدميرية، ويبدو أنها قادت إلى أدوات أكثر فتكاً، لأنها تقوم على التطاحن بين الناس واستباحة الطعن بالآخرين، عبر وسائل تم اختراعها للتواصل لا للاقتتال الاجتماعي.

الخشية تتمثل باحتمال مرعب، وهو تحقُّق مقولة وزير خارجية الغزو العراقي طارق عزيز، بعد طرد العراق من الكويت وتحريرها من ربقة الاحتلال، حين قال: "سنترك الكويتيين فخاراً يكسر بعضه بعضاً، وستسقط الكويت من جديد كتفاحة مهترئة بيد العراق"!

هكذا قال أعداء الكويت، فهل نعاونهم في تحقيق رؤاهم، بما نمارسه من نهش في لحوم بَعضنا، في شتى القضايا، وكأننا فرحون بتهيؤ وسائل التواصل الاجتماعي بين أيدينا، لكي نبتدع أكثر أساليب سوء استخدامها، ضمن استخدامات شعوب العالم كافة! إننا حققنا، مع عميق الأسف، درجات متقدمة في قبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال استباحة بعضنا أعراض بعض وكراماتهم، في كل موضوع وقضية، وتسابقنا لإعادة إرسال أي خبر فضائحي، بغض النظر عن مصداقيته ومجهولية مصدره، سعياً للتشفي والمباهاة بالسبق، وحقق المدونون ممتهنو الأخبار الفضائحية ومحترفو التعريض بكرامات البشر أعلى أعداد المتابعين، وأصبحوا هم القدوات والملهمين، إذ تكفيهم حدة تشويه سمعة شخص ما أو أسرة أو عائلة أو مسؤول هنا أو هناك، للحصول على لقب المدون الأبرز والأكثر تأثيراً بين "البلوقرز"!

تفوّقنا على سوانا بتلك الاستباحات، مع عميق الأسف، وتخلفنا عنهم في شتى الميادين العلمية والإنجازية، وكأننا نستعجل دمارنا بالعنف السلوكي والاقتتال البيني والتراشق بين هذا المعسكر أو ذاك، بأساليب مليئة بالتحقير وخالية من التوقير، ولَم يعد هناك احترام لسن أو مقام أو اعتبار، وأذكينا فنون العنف اللفظي واليدوي، بدءًا من البرلمان وانتهاء بالمدارس والشوارع، وتخصصنا بخلط الأوراق والانتحاء بأهم القضايا مناحي فرعية، سعياً نحو تسجيل النقاط بالحق وبالباطل، ضد من نعتبره خصماً، وكأن التدوين في صفحات التويتر والفيسبوك والسناب شات هو عنوان الحقيقة، لا أحكام القضاء!

وآخر أمثلة خلط الأوراق تمت بالتعريض بأسماء كويتية كريمة، قفزاً على قضية ازدواج الجنسية وتزويرها بأعداد بلغت نحو ربع عدد الكويتيين بأسرهم، كما جاء في مداخلة رئيس مجلس الأمة بجلسة التصويت على تعديل قانون المحكمة الإدارية الأسبوع الماضي، والتي شحذت الوعي العام بمخاطر الظاهرة وضرورة تداركها، لاستعادة التوازن المفقود في التركيبة السكانية لمواطني هذه الأرض، بين مستحق ومزدوج أو مزوّر، ومحاسبة من سهّل التزوير وغض النظر عن الازدواجية من المسؤولين الحكوميين، وأوصل البلاد إلى هذا المنزلق الخطير.

إننا نتطلع إلى ضرورة انتصار البرلمان لحقوق الدولة المهدورة، بالتضخم غير المنطقي في أعداد الكويتيين، واستباحة من لا يستحق لحقوق وامتيازات المستحقين من المواطنين الحقيقيين، فضلاً عن ضرورات الحفاظ على الهوية الوطنية من التآكل، وكفانا استباحة لقيمها الراسخة الأصيلة، وهذا هو الأهم.

back to top