سور الكويت العظيم

نشر في 18-04-2017
آخر تحديث 18-04-2017 | 00:15
لم يتخل أهل الكويت عنها ولم يهاجروا لدول أخرى، ولم يسجل التاريخ أنها تعرضت للمجاعة التي ضربت العديد من الدول والمدن المحيطة بها، بل كانت المنقذ والمساند لأشقائها في معاناتهم.
 يوسف عبدالله العنيزي في الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك من عام 1338هـ الموافق 14 /7 /1920م ونظراً لما كانت تتعرض له الكويت من أخطار محيطة بها، تنادى أهلها بعد التشاور مع الحاكم في ذلك الوقت الشيخ سالم المبارك الصباح، رحمه الله، وأهل الرأي والمشورة في البلاد لبناء سور يحيط بالكويت يحميها من الأعداء وعاديات الزمان، فهذه الأرض التي أحبوها ولا يرضون لها بديلاً، ولم يمر إلا شهران من الزمان حتى أقيم ذلك السور العظيم الذي يبلغ طوله سبعة كيلومترات وارتفاعه (4) أمتار، وسمكه (3) أمتار، وفيه 5 بوابات للتخزين والحراسة.

لم يتخل أهلها عنها ولم يهاجروا لدول أخرى، ولم يسجل التاريخ أن تعرضت الكويت للمجاعة التي ضربت العديد من الدول والمدن المحيطة بها، بل كانت المنقذ والمساند لأشقائها في معاناتهم.

جابوا الدنيا من أجلها، فعبروا الأنهار ابتداء من شط العرب إلى مؤانى الخليج حتى بحر العرب الذي عرف لديهم «بالغبة» نظرا لأعماقه الهائلة، والتي يصفها بشكل بديع الشاعر صالح النصر الله بقوله:

يوم السفر والغوص وبيوتج الطين

روحي اسألي الهيرات يا كويت عني

نقطع غبيب تبتهر كالبراكين

عقل الذليل يكاد منها يجنّ

كله لعينك بس نبغيك ترضين

كانت رحلات السفر والغوص تستمر على مدى شهور طويلة من الشقاء والمصاعب، ولعلها من أصعب اللحظات عندما يقرر «النوخذة» التخلص من البضائع التي يحملونها مهما كان نوعها وثمنها حفاظا على أرواح بحارتها والعودة إلى إلهند حتى ينتهي موسم العواصف والأمطار. خطر على البال في هذه اللحظة ذلك الصوت القادم من أعماق الماضي، فبعد أن أطلق من الأعماق تنهيدة تحس من خلالها بعمق ذاك الحب والعشق لهذا الوطن ثم قال:

ما زلت أذكر تلك الأيام الخوالي عندما كنا نجلس مجموعة من الرجال والشباب تحت «الطوفة» نننظر أن يمر «أستاذ» البناء، أما أنا فقد كنت مسؤولا عن «شيل» العدة التي تتكون من «السخين والهيب والزبيل»، وقد كانت «كروتي» تزيد على ربعي بنص روبية، يختار الأستاذ من يريد ويعود الباقي إلى بيوتهم مكسوري الخاطر، وعلى أمل القادم من الأيام أن يملأ النفس اعتزازاً وكبرياء.

هكذا كانت الكويت، وهكذا ستكون دائماً واحة أمن وأمان واستقرار إن شاء الله، ودائما نقول «عمار يا كويت»، وهنا توقف ذلك الصوت وبدأت الحديث تلك الدموع الغالية.

هذا وقد روى لي الأخ العزيز المهندس عبداللطيف العنيزي أثناء أحد لقاءات ديوانية العنيزة بأن والده محمد صالح العنيزي، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، لم يحالفه الحظ في أحد الأيام، ولم يتم اختياره، فعاد إلى البيت يلتف «بوزار» على بطنه وآخر على رأسه، وما كاد يتوسد مسنده في العريش حتى سمع دندنة عود من بيت جاره، فرفع رأسه فإذا بالمغفور له الفنان عبدالله الفضالة يطلب منه الاستماع لآخر ألحانه.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top