بعد التخلي عن الفلسطينيين... هل جاء الدور على مصر؟

نشر في 04-10-2012
آخر تحديث 04-10-2012 | 00:01
في مصر تتراجع مؤن السلع الأساسية ولاسيما الحبوب تحديداً وهي أهم غذاء بعد الخبز، وقد يؤدي ارتفاع أسعار الدولار وتراجع احتياطي الأموال النقدية إلى انخفاض إمدادات السلع المستوردة بنسبة 40%، تستورد مصر نصف ما تستهلكه من السلع الغذائية.
 آسيا تايمز منذ سنتين، كتبتُ في هذه الصحيفة: "لا أحد يهتم بالفلسطينيين". منذ ذلك الحين، توقف العالم عن تمويلهم، نتيجةً لذلك، بدأت السلطة الفلسطينية تنهار بحسب خالد الجندي، مستشار سابق في السلطة الفلسطينية، فقد كتب على موقع مجلس العلاقات الخارجية عن "موجة الاحتجاجات الفلسطينية التي تجتاح أنحاء الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل هذا الشهر، ما أدى إلى شلل الحياة في المدن الفلسطينية وبروز مشاهد تذكّرنا بالانتفاضة الأولى".

لا تستطيع السلطة الفلسطينية دفع الرواتب لأن الجهات المانحة الدولية، بما في ذلك الدول الخليجية، لم ترسل المساعدات التي وعدت بها: يكفي أن تتدفق الأموال النقدية سريعاً من المجتمع الدولي كي تتمكن إسرائيل من شراء السلطة الفلسطينية في مرحلة معينة، ولكنها لن تستطيع متابعة المسار نفسه إلى الأبد، ولا سيما إذا ثبتت صحة تحليلات التقرير الذي صدر حديثاً عن البنك الدولي واعتبر أن الأزمة المالية المتفاقمة ستترسخ إذا فشلت الدول المانحة في التحرك سريعاً.

حتى لو نجحت السلطة الفلسطينية في الصمود لبضعة أشهر أو سنوات إضافية، لن تكون القيادة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة والمجردة من الشرعية المحلية في موقع يخولها التفاوض على اتفاق شامل مع إسرائيل أو ضمان صمود ذلك الاتفاق. هذا الأسبوع، تعكس حملة الاعتقالات الجماعية بحق ناشطين من "حماس" شعور قيادة السلطة الفلسطينية بانعدام الأمان.

تشعر الجهات المانحة الدولية بالقلق من الفساد الحكومي المستفحل في الضفة الغربية بقيادة محمود عباس، وقد أدى تخفيض الميزانيات الحكومية في جميع الدول الصناعية إلى تصعيب نقل الأموال إلى وجهات لا تحظى بتأييد واسع. حذر البنك الدولي في 19 سبتمبر من "تعمّق الأزمة المالية الفلسطينية" وأصدر "دعوة عاجلة" إلى الدول المانحة.

سيصدر الدبلوماسيون والمسؤولون البيروقراطيون في المنظمات الدولية بيانات صحافية، وسيترددون ويطلقون الوعود ثم ينكثون بها. لن يحرر أي فريق شيكاً للسلطة الفلسطينية.

في هذا المجال، لا بد من طرح السؤال الآتي: متى سيتعب العالم من مصر أيضاً؟ مع تراجع احتياطي الأموال النقدية طوال شهر أو شهرين منذ شهر يوليو، بدأت مصر تحرر الشيكات إلى مزوّدي النفط في شهر أغسطس، وقد أوقفت استيراد بعض السلع الضرورية، لكن يتعلق أحدث نقص في الاقتصاد المصري بلقاحات الأطفال. كتب موقع AllAfrica.com الإخباري:

القاهرة – يحذر أطباء الأطفال من تعرّض عشرات آلاف الأطفال للخطر بسبب نقص اللقاحات في مصر. قالت إيمان مسعود، رئيسة قسم طب الأطفال في مستشفى أبو الريش الجامعي في القاهرة: "كلما فشلت الحكومة في تعزيز مناعة الأطفال لفترة أطول، سيصبحون أكثر ضعفاً أمام الأمراض". اعتبرت مسعود أن أي تأخير لأكثر من شهر أو شهرين في جلب اللقاحات الحيوية ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية قد يعرّض حياة الأطفال للخطر.

خلال الأسبوعين الأخيرين، اصطف الأهالي أمام المكاتب الصحية المختلفة التابعة للحكومة (عددها 5 آلاف مكتب) لتلقيح أطفالهم مجاناً. لكن قيل لهم إن اللقاحات غير متوافرة، (لكن الجرعات متوافرة مقابل 50 دولاراً في العيادات الخاصة).

يصعب الحصول على إحصاءات دقيقة حول حجم التراجع في الاقتصاد المصري، لكن وفق جمعية المستوردين في البلد، أدى تردد البنوك في توفير التمويل التجاري للشركات المصرية إلى انهيار الواردات إلى النصف منذ ثورة يناير 2011 ويهدد هذا الوضع الآن بحصول نقص في الإمدادات الغذائية الأساسية. تدعي الحكومة أنها تملك مخازن قمح تكفي لستة أشهر، وقد اشترت حديثاً إمدادات إضافية، لكن ثمة نقص في السلع الأساسية الأخرى مثل الفاصوليا والسكر وزيت الطبخ.

في وقت سابق من هذا الشهر، حذر أحمد شيحة، رئيس جمعية المستوردين في غرفة التجارة في القاهرة، من أن مصر تعيش على بقايا السلع الغذائية الأساسية، وفق الموقع الإخباري المصري el-balad.com.

بعد ثورة عام 2011، خزّن المستوردون السلع الغذائية خوفاً من تراجع قيمتها، لكنهم يجدون صعوبة الآن في الحصول على خطابات اعتماد لاستبدال إمداداتهم المتناقصة. تتراجع مؤن الحبوب تحديداً في مصر، وهي أهم غذاء بعد الخبز. قد يؤدي ارتفاع أسعار الدولار وتراجع احتياطي الأموال النقدية إلى انخفاض إمدادات السلع المستوردة بنسبة 40%. تستورد مصر نصف ما تستهلكه من السلع الغذائية.

تحتاج مصر وفق تقديراتها الخاصة إلى 12 مليار دولار للصمود خلال السنة المقبلة، وتشير بعض التقديرات الخاصة إلى أن النقص يساوي ضعف تلك القيمة. بين فترة وأخرى، تحصل الحكومة المصرية على مساعدات أخرى بقيمة مليارات الدولارات من جهة مانحة خارجية، لكن يبدو أن جميع تلك المساعدات لا تشمل أموالاً نقدية جاهزة للدفع. أودعت قطر 500 مليون دولار في البنك المركزي المصري في شهر أغسطس وتعهدت بتقديم مبلغ إضافي بقيمة 1.5 مليار دولار، لكن لم يحصل ذلك بعد.

أعلنت مصر أن تركيا وعدت بتقديم مساعدات بقيمة ملياري دولار، لكن شككت الصحافة التركية في أن تنفق مصر تلك الأموال في المستقبل القريب. خُصص مليار دولار لتمويل عمليات الشركات التركية في مصر، لكن لا يفيد هذا الأمر الاحتياجات العاجلة لقطاع الاستيراد المصري. كتبت الصحيفة التركية "ستار" في 15 سبتمبر أن مبلغ المليار الدولار هو مجرد دفعة مسبقة على قيمة القرض المرتقب الذي يبلغ 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.

لا تزال تركيا تدين بخمسة مليارات دولار لصندوق النقد الدولي بعد أن اقترضت منه المال غداة أزمة عام 2008، لذا من المتوقع أن تستأنف الدفع من أموال الصندوق (في حال تسديد قرض الصندوق فعلاً). في غضون ذلك، سيقبع مبلغ مليار دولار في مخازن البنوك المركزية ولن يتم إنفاقه.

منحت إدارة باراك أوباما المصريين مليار دولار (كان نصفه على شكل إعفاء من الديون بدل تقديم أموال جاهزة للدفع)، ولكنها أجلت الاقتراح بعد الاعتداءات على السفارة الأميركية في القاهرة إلى ما بعد انتخابات شهر نوفمبر. على صعيد آخر، يبدو أن المملكة العربية السعودية لا تنوي تمويل جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي أخطر خصم داخلي للنظام الملكي.

في الوقت الراهن، يبدو أن مصر تقتات من مخازن السلع المتناقصة كما قال شيحة من غرفة التجارة. سيحصل المصريون على ما يكفي من الخبز كي يقتاتوا منه، ولكنهم لن يستفيدوا من كميات كبيرة منه كي يستعملوه في إنتاجات أخرى وما من وقود كاف كي يوزعوه.

لا يمكن معالجة بعض المشاكل بكل بساطة. في الماضي، كنتُ قد اعتبرتُ أن المشكلة الفلسطينية غير قابلة للحل، ولكنها ليست خطيرة. يحصل رجل من أصل أربعة فلسطينيين تقريباً بين عمر العشرين والأربعين على المال لحمل الأسلحة، ومن المعروف أن أي دولة يرتكز اقتصادها على احتمال اندلاع العنف في أي لحظة لا تستطيع المطالبة بالموارد الدولية النادرة.

في غضون ذلك، يسجل مستوى معيشة العرب في الضفة الغربية المحتلة معدلاً يساوي ضعف المعدل المسجل في مصر قبل الأزمة، مقارنةً بمصر أو سورية، إنها واحة سلام وازدهار.

بعد سنوات على المجاهرة بأن القضية الفلسطينية هي محور المشاكل الأمنية في العالم، يبدو أن العالم ترك تلك المسألة عالقة وتخلى عنها، ويبدو أن عملية أوسلو لم تتوصل إلى أي نتائج ملموسة.

لكن يبقى وضع مصر مختلفاً، تبدو الفكرة القائلة إن العالم سيخصص مليار دولار شهرياً لمصر (أو حتى ملياري دولار) خيالية. إن التراجع الكارثي في بلد مؤلف من أكثر 80 مليون نسمة هو أمر لم يشهده العالم منذ فترة طويلة، ويجب أن يتخذ صانعو السياسة تدابير وقائية مسبقة لمواجهة الوضع.

David Goldman

back to top