حُكم دار ندوة قريش

نشر في 04-10-2022
آخر تحديث 04-10-2022 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم لما كانت التجارة تحكم حياة قريش مكة فإن نظامها الروحي، والديني، والثقافي، كان أساس البيع والشراء والربح، فضلاً عن أن التجار كانوا فيها هم الحاكمين، فيفرضون ما يحقق لهم مصالحهم في كل نشاطات الحياة بمكة، فالآلهة داخل الكعبة، والتي كانوا يعبدونها وينزلون على حكمها، ويسألونها البركة في البيع والشراء، ويذعنون لقضائها، كانوا هم المعنيين بتعيين كهنتها وعرافيها الذين يختصون بتفسير إرادة تلك التماثيل الصماء التي أقاموها كرموز لأرباب يعبدونها.

***

* هؤلاء التجار كانوا يهيمنون على كل ثروات مكة، ويمتلكون الواحات والنخيل والأعناب التي يستقطرون منها الخمور، وتُربَّى في مزارعهم الخنازير، ويفرضون شروطهم على العُمَّال الفقراء الأُجراء، إذ يعمل بعضهم بما يُلقى إليه من فضلات الطعام ليسد جوعه.

***

* وكانت تُقام الأسواق، وأشهرها سوق عُكاظ، الذي كان أشبه بمهرجان، تشترك فيه القبائل العربية، وتُعرَض فيه بضائع من بلاد الفُرس والروم، ومن بلاد أخرى، وتُقام فيه المنابر، ويتبارى الشعراء، وكذلك تنشط تجارة الرقيق لفتيات حبشيات، وروميات، ومن بلاد فارس، ومن بُلدان كالهند وغيرها، وفي السوق رهبان، ويهود يتلون كُتبهم، ونشاط اجتماعي، وكثير من المؤرخين والنسابين والنخاسين، وكانت بعض النساء يعرضن أنفسهن للزواج وأخريات لقضاء متعة معهن، فضلاً عن حضور بعض الملوك والأمراء للبحث عن مجوهرات نادرة.

***

* وكانت أغلبية سكان مكة تعيش على الكفاف، وإذا لم يتمكن المدين من سداد ديونه جعله الدائن عبداً له بموجب العُرف الذي استنّه التجار، بل إن بعض المدينين كانوا يسددون ديونهم بالنساء، فيرهن لدى الدائن زوجته أو ابنته أو أمه، فيُلحقها صاحب الدين، لكي يسترد ماله، بأحد بيوت الفاحشة، ويرفع لها راية تحدد المبلغ الذي سيدفعه مَنْ يعاشرها، حتى تستوفي ما على المدين الذي رهنها، لهذا كان بعض الرجال يقتلون البنات فور ولادتهن، لكي لا يتعرضوا لمثل هذا الموقف.

***

* لكن رغم هيمنة نظام التجار المتعسف ضد الفقراء، وعبادة الأوثان، كان هناك مَنْ يتطلعون إلى حياة كريمة، ويتمسَّكون بالجاه والشرف، ضد سيطرة وهيمنة أعضاء بيت ندوة تجار قريش، وأشد ما يكرهون أن تُنتزع الزوجة من بيت زوجها لتعاشر الأغراب سداداً للديون، وتعسف المدين على الدائن، بحيث يجعله عبداً له، فهولاء لم يكن لهم غير الرمضاء والمرارة والألم الممزق.

***

* وفي هذا الوضع الجائر، وفي هذا الظلام المريع، انبثق النور، وظهر الإسلام، الذي أرسى دعائم الحياة الكريمة للبشر.

د.نجم عبدالكريم

back to top