انتبهوا لصحتكم... النموذج البريطاني (2)

نشر في 30-09-2022
آخر تحديث 30-09-2022 | 00:00
 د فاطمة خدادة كان وليام بيفردج من الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا، ولد حقا وفي فمه ملعقة من فضة، عندما كبر ولم يوفق في أكثر من مهنة اختار العمل في مؤسسة خيرية شرق لندن، ورأى ما هو معروف عن شرقها آنذاك من الضيم والفقر مما سبب له صدمة شديدة، فبدأ بشن حملات إصلاحية بدأت بسيطة ثم أخذت بالتوسع، وفي عام 1942، أثمرت هذه الحملات بتقرير «بيفريدج» الذي وضع فيه أسسا لنظام صحي وطني حكومي متكامل وعام، وكان ممكناً أن يبقى هذا التقرير مجرد عمل أكاديمي لولا ناي بيفن.

لم ينل بيفن أيا من امتيازات بيفريدج، حيث ولد في إحدى قرى ويلز الفقيرة التي يتوارث أجيالها العمل في مناجم الفحم، وفعلا دخل المنجم في سن صغيرة، وكبر بيفن وكبر معه شعور القهر والحرمان، ومال إلى اليسار حتى صعد في أركان حزب العمال في بريطانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية تولى حزب العمال السلطة وتبوأ بيفين منصب وزير الصحة.

مرر بيفين تقرير بيفريدج، مما أثار حفيظة ومعارضة جمعية الأطباء في بريطانيا كونهم معرضين للخسارة المادية، إلا أنه تم الاتفاق والاشتراط بأن يكون أطباء العائلة طرفاً مستقلاً يتلقون مبلغاً من الحكومة على كل مريض يقدمون له الرعاية لا موظفين حكوميين يتلقون معاشا ثابتا.

وضع تقرير بيفريدج حجر أساس النظام الصحي الوطني البريطاني أو الـNHS، ويعد هذا النظام من أهم الإنجازات البريطانية، وهو بمنزلة رمز وطني لهم، وتحقق فقط لاجتماع رؤية بيفردج وإرادة ناي والفرصة السياسية.

يعد النظام الصحي البريطاني نظاماً حكومياً بحتاً، تمتلك فيه الحكومة جميع المستشفيات، وتدفع أجور العاملين فيها من مدخول الضرائب (ما عدا الطبيب العام).

هذا النظام يضمن الرعاية الصحية للجميع من دون الحاجة للدفع عند الحصول على الرعاية، مما يؤدي لضمان حصول جميع أفراد المجتمع، الغني والفقير على الرعاية الصحية من دون تمييز، والحرص على تقديم الرعاية الصحية والوقائية لجميع السكان، أما من الناحية الأخرى، فيعاني نظام الصحة البريطاني ضغطا شديدا وقائمة انتظار طويلة بالإضافة إلى عدم توافر جميع العلاجات والخدمات بشكل متساو بين المناطق المختلفة، وإحدى مشاكله الكبرى هي وجود عجز في الميزانية لذلك تتم الاستعانة باقتصاديين صحيين للنظر في جدوى كل العلاجات من ناحية اقتصادية وطبية.

هذا النظام الصحي الحكومي البريطاني بشكل مبسط جدا، وهو نموذج دارج في دول كثيرة مثل إيطاليا وإسبانيا وكوبا، فكيف يمكن أن تتم الاستفادة من هذا النموذج لتحسين الوضع الصحي في الكويت؟ وهل تراه بعض الجوانب تصلح لنا؟ وإن كانت تصلح، فكيف يتم تطبيقه؟ وهل يتطلب تكييفاً يناسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلد؟

د فاطمة خدادة

back to top