ناجح على الورق

نشر في 09-09-2022
آخر تحديث 09-09-2022 | 00:00
 د. محمد عبدالرحمن العقيل يقول الفيلسوف «نعوم تشومسكي»: «معظم المدارس تدرب الطلاب على الغباء والالتزام»!

دعونا نوضح أكثر، فللإنسان نظامان للاستقبال أو الإدراك، وهما الذكاء العقلي والذكاء العاطفي. «العقلي» مسؤول عن قدرتنا على القراءة والكتابة والحفظ والتحليل العلمي، واختصاره (IQ)، و«العاطفي» مسؤول عن قدرتنا على التحكم بوجداننا ومشاعرنا، ومدى تفاعلنا مع البيئة والمجتمع وفهم ما يدور حولنا، واختصاره (EQ)، وأنا شخصيا أميل لتسميته بالذكاء التفاعلي.

وعلى الرغم من أهمية الذكاء التفاعلي وتفرعاته المتعددة، فإنه لم يتم توصيفه بشكل دقيق إلا في وقت متأخر، فكان الناس في السابق وفي الولايات المتحدة تحديدا يطلقون أوصافاً عديدة لهذا النوع من الذكاء أو ما يقاربه، مثل (streetwise) وهو أحد أنواع الذكاءات التي نكتسبها خارج أسوار المدرسة، وأما الذكاء العقلي المعروف فيسمونه ذكاء المدارس، أو ذكاء الكتب.

وهناك مصطلح آخر لديهم يكشف لنا الفرق بين الذكاءين المُلاحظ لدى عموم الناس، فهم يطلقون على الشخص الذي انهمك في الدراسة ونسي نفسه وذاته، باسم (Nerd) الشخص الذي فهم ما في الكتب ولم يفهم ما في نفسه، فهو باختصار المتفوّق في الدراسة والفاشل في الحياة، وعلى الرغم من قوة ذكاء هذا «الدريس» إن صح التعبير، فإنه غالباً ما يكون تابعاً «لفهلوي الشارع» بعد تخرجه من الجامعة!

ولعل أكثر مثال يوضح لنا هذه الحقيقة المحزنة، هو انقيادنا خلف نواب البرلمان، الذين نجحوا في تحقيق مبتغاهم وجلسوا على كراسي السلطة التشريعية، وحققوا أحلامهم لا بسبب ارتفاع معدل (IQ) لديهم وشهاداتهم العالية، بل بسبب ارتفاع الـ (EQ)، الذي استطاعوا من خلاله قراءة مشاعر الجمهور وتحريكها، ومعرفة طرق الحصول على أصوات شريحة كبيرة منهم ! فالخوض بهذا المعترك ليس بالأمر السهل أبدا، فهو يحتاج مهارات اجتماعية متميزة وشخصية مؤثرة، فهي ساحة تنافسية للـ(EQ) بالدرجة الأولى لا (IQ).

إن التعامل مع البشر وفهم مستجدات الحياة المستمرة يحتاج ذكاء تفاعليا، ذكاء اجتماعيا، ذكاء من نوع آخر، ذكاء لا يدرّس بالكتب التي نعرفها، فالمدارس والجامعات التي ما زالت تركز على تنمية الذكاء العقلي وتُقَيّم عليه، ولا تهتم بتنمية الذكاء التفاعلي، هي جامعات متخلفة بلا شك، ولهذا السبب تسعى المدارس والجامعات العريقة إلى تطوير مناهجها الدراسية التي تعزز (EQ) والذكاءات المتعددة لدى طلابها، ففي جامعة كامبريدج مثلا، تم تطوير مناهجها الدراسية تحت مسمى الكفاءات الحياتية (Life Competencies) وعليها يكون التقييم على حسب التفكير النقدي والابتكار، وإظهار الإيجابية في حب التعلم، لا على حل المسائل فقط!

أتمنى أن نحظى بمناهج منطقية تحاكي الواقع، لأن المقرر الذي لا نرى منفعته عمليا، يكون ثقيلا على النفس، والطلبة يدركون هذه الحقيقة، لكنهم مضطرون لدراستها، لأنها ضريبة أخذ الشهادة ليس أكثر!

يقول الفيلسوف وعالم الرياضيات «برتراند راسل»: «الناس يولدون جهلة لا أغبياء، ولكن التعليم يجعلهم أغبياء».

د. محمد عبدالرحمن العقيل

back to top