الصين لم تبلغ ذروة قوتها بعد

نشر في 02-09-2022
آخر تحديث 02-09-2022 | 00:00
شي جين بينغ
شي جين بينغ
بعد بلوغ العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين أدنى مستوياتها منذ نصف قرن، انتشرت فكرة جديدة ومرعبة وسط بعض المحللين وصانعي السياسة الأميركيين، تفترض هذه الفكرة تلاشي فرص الصين «لإعادة توحيد» تايوان مع البر الرئيسي، مما يؤدي إلى تصاعد الضغوط على بكين كي تتحرك بسرعة وقوة طالما تسنح لها الفرصة.

ترتكز تلك الفكرة على قناعة مفادها أن صعود الصين يقترب من نهايته، وأدى التراجع السكاني غير المسبوق، وأعباء الديون الثقيلة، وعدم تكافؤ الابتكارات، ومشاكل اقتصادية حادة أخرى، إلى إبطاء نمو الصين وقد تتابع هذه العوامل إبطاء مسار البلد مستقبلاً إلى أن تخسر الصين قوتها العسكرية أو نفوذها السياسي وتعجز عن تحدي الولايات المتحدة، ووفق هذا المنطق أيضاً، تدرك بكين المشاكل التي تواجهها، لذا من المتوقع أن تتحرك قريباً، قبل فوات الأوان.

في هذا السياق، يقول المحللان هال براندز ومايكل بيكلي إن «الصين تتبع مساراً غالباً ما ينتهي بمأساة كبرى: إنه الصعود المدوّي الذي يليه سقوط حاد»، ومن وجهة نظرهما، لن تتمكن الصين من إعادة رسم خريطة العالم إلا في المرحلة الراهنة.

لكن يبدو هذا التحليل مُضلّلاً، فقد تباطأ الصعود الصيني فعلاً وسينعكس مساره في نهاية المطاف، فتتوقف طموحات بكين العسكرية والسياسية، لكن من المستبعد أن يشهد البلد «سقوطاً حاداً»، وسيكون تراجع الصين من ذروتها الاقتصادية تدريجياً على الأرجح، حتى أنه قد يصبح أقل وطأة بعد زيادة الإنفاق على الأبحاث والتطوير صراحةً للتعويض ولو جزئياً عن المشاكل الديموغرافية والتداعيات المرتبطة بالديون محلياً، حيث تكشف مسارات المداخيل والإنفاق الدفاعي اليوم أن الصين ستملك الموارد التي تحتاج إليها للتنافس عسكرياً مع الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة أكثر من تلك التي كانت تملكها في آخر عشرين سنة، ونتيجةً لذلك ستصبح بكين أكثر قدرة على استعمال القوة، في حين تجد الولايات المتحدة صعوبة في التصدي للتحديات العسكرية الصينية في آسيا، ولن تتراجع الفسحة التي يملكها قادة الصين لتحقيق طموحاتهم الجيوسياسية إذاً، بل إنهم يملكون الوقت الكافي لانتظار الفرصة المناسبة قبل التحرك.

بحلول عام 2030 من المتوقع أن تقتني الصين أربع حاملات طائرات، وأسلحة برية وفضائية قادرة على تهديد الأبراج الفضائية الأميركية، العسكرية منها والمدنية، وقوة جوية تستطيع أن تتحدى التفوق الأميركي الجوي في آسيا، حتى أنها قد تقتني سفناً بحرية أكثر من الولايات المتحدة، وترسانة نووية مستدامة وأكبر حجماً وأكثر قدرة على تهديد مختلف الأهداف حول العالم، بفضل التقدم الصيني في مجال المعدات التي تفوق سرعة الصوت.

لقد بدأت بقايا التفوق الأميركي العسكري في آسيا، مثل قدرات الغواصات الأميركية المتفوقة، تختفي، وقامت الصين باستثمارات مكثفة لتطوير قدرات حربية مضادة للغواصات، بما في ذلك مروحيات متقدمة وأنظمة سونار في السفن، ومن المتوقع أن تصبح جاهزة للتشغيل خلال السنوات العشر المقبلة.

لن يتقبّل الجيش الأميركي التقدّم الذي يحرزه جيش التحرير الشعبي من دون تحريك أي ساكن، إذ تعمل الولايات المتحدة على إنشاء بنية تحتية فضائية متينة وقدرات قوية، وهي تُخطط لنشر صواريخ بالستية متوسطة المدى في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، لأن واشنطن لم تعد مُلزَمة بمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، كذلك تُخطط واشنطن لإضافة سفن جديدة وغير مأهولة، فضلاً عن السفن المأهولة، إلى الأسطول البحري الأميركي للتصدي للصين، وفي طليعة هذه الجهود، تبرز «مبادرة الردع في المحيط الهادئ»، وهي خطة وضعها البنتاغون لتعزيز القدرة الأميركية التنافسية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وتقضي هذه المبادرة في سنتها الأولى بتخصيص نحو 6 مليارات دولار لبناء أنظمة جديدة ومتكاملة للتحكم والقيادة، وتطوير قدرات الطائرات المسيّرة، والسفن، والحروب الإلكترونية، والطائرات المقاتلة «ف35»، لمجابهة الاستفزازات والأعمال العدائية الصينية الخفيفة، فضلاً عن تطوير أنظمة دعم ومعدات للبحرية الأميركية والقوات البرية الأخرى.

لكن تبقى نقاط ضعف القوات الأميركية في منطقة المحيطيَن الهندي والهادئ قائمة رغم هذه الاستثمارات كلها، وتستطيع الصين أن تستغلها لضمان تفوّقها، إذ ستعجز الولايات المتحدة مثلاً عن الدفاع عن قواعدها الأمامية في وجه الاعتداءات الصاروخية الصينية، أو حماية أصولها الفضائية من العمليات الصينية المضادة.

وتكشف خطط الشراء والاقتناء الراهنة أن الولايات المتحدة لن تملك قوات إضافية لنشرها في المنطقة خلال عشر سنوات، حيث تعمل البحرية الأميركية على تحديث نفسها، لكنها لن تحصل على الأسطول الذي تُخطط له (بين 450 و500 سفينة) قبل عام 2045، وفي المقابل، ستحصل الصين على أسطول بهذا الحجم خلال عشر سنوات فقط.

تنذر هذه العوامل كلها بأن الصين لم تبلغ بعد ذروة تفوّقها العسكري مقارنةً بالولايات المتحدة، وقد يظن محللون غربيون، من أمثال براندز وبيكلي، أن الاقتصاد الراكد نسبياً يُفترض أن يؤثر على الحسابات الاستراتيجية للقادة الصينيين، فيُشجّعهم على التحرك فوراً أو خسارة الفرص المتاحة أمامهم، لكن لا شيء يثبت أن هذا المنطق هو جزء من التحليلات السياسية أو العسكرية الصينية، بل يشعر معظم الخبراء الاستراتيجيين الصينيين بالتفاؤل بشأن مستقبل الصين، حتى أن بعض الإعلاميين الصينيين أنكر صراحةً هذه الفكرة الأميركية حول «ذروة الأداء الصيني»، على اعتبار أن البلد لطالما تحدّى التوقعات التشاؤمية التي تنشرها وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية الأميركية.

قد يعتبر البعض هذه التعليقات محاولات متوقعة لرفض أي كلام عن التراجع الصيني، لكن لا تدعو أي وثائق عسكرية رسمية الصين إلى الاستيلاء على تايوان فوراً لأن باب الفرص بدأ ينغلق أمامها، مع أن المحللين الأمنيين الصينيين يتجادلون طوال الوقت حول مواضيع حساسة أخرى مثل فاعلية الجهود الصينية لضم تايوان بطريقة سلمية.

وتكشف هذه التحليلات أن القادة الصينيين يزدادون اقتناعاً بقدرتهم على الاستيلاء على تايوان بالقوة وبعدم فاعلية التوحيد السلمي، كذلك، تثبت خطابات شي جين بينغ أنه قد يفضّل إعادة توحيد البلدين في عهده لتحويل هذا الإنجاز إلى إرثه الخاص، فحين يثق الرئيس الصيني إذاً بجاهزية جيش التحرير الشعبي، قد يتحرك سريعاً للسيطرة على تايوان، لكنه لن يتخذ هذه الخطوة بسبب غياب الفرص المرتقبة بل لأن أحداث المستقبل تبقى غير مؤكدة.

قد يكون شي جين بينغ محقاً إذا فكّر بهذه الطريقة.

ستبقى الصين على الأرجح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حتى لو توقف نموها خلال العقد المقبل، وفي هذه الحالة، لن تصل تدابير التقشف المستجدة إلى الجيش قبل مرور سنوات عدة، وفي مطلق الأحوال، ثمة حقيقة مؤكدة واحدة: ستصبح الصين أكثر قوة من الناحية العسكرية في عام 2035.

من المتوقع أن تتصرف الصين بالطريقة نفسها سواء كانت قلقة وبلغت ذروة قوتها، أو كانت واثقة بنفسها وتابعت تطورها العسكري، وستصبح الصين في الحالتَين أكثر عدائية، لا سيما في المسائل المرتبطة بمساحات متنازع عليها مثل تايوان، لكن هذه الدوافع الكامنة وراء العدوان الصيني تنذر بردود استراتيجية مختلفة من الجانب الأميركي: ستكون الصين التي تبلغ ذروة قوتها الأكثر خطورة خلال العقد المقبل، أما الصين التي تتابع صعودها، فستطرح تهديداً مستمراً لفترة أطول، ويجب أن تتجنب الولايات المتحدة إذاً الحلول المؤقتة التي تُضعِف قدرتها التنافسية على المدى الطويل وتستعد لخوض الحرب في العامَين 2027 و2037.

من الناحية الإيجابية، قد تحارب الدولة التي تبلغ ذروة قوتها حتى الموت لأنها لا تملك إلا فرصة واحدة لإعادة تشكيل النظام الدولي، لكنّ القوة التي تعرف أنها ستحصل على فرص أخرى لتحقيق أهدافها قد تصبح أكثر استعداداً للانسحاب من أي مواجهة عسكرية لا تسير بالشكل المخطط له.

إذا اتخذ شي جين بينغ أي خطوة بشأن تايوان مثلاً وواجه مقاومة واسعة، فقد يزعم أنه انتصر بعد الاستيلاء على جزيرة معيّنة، أو بعدما يعلن أنه لقّن «الانفصاليين» في تايوان و»الإمبرياليين» في الولايات المتحدة درساً قاسياً.

على صعيد آخر، تكون القوة الواثقة بنفسها أقل ميلاً للانجرار إلى الحرب، فقد نفّذت الصين تدريبات عسكرية واسعة ومقلقة بالقرب من تايوان بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى الجزيرة الشهر الفائت، لكنها امتنعت عن إطلاق نشاطات عدائية أخرى كانت ستجازف بإشعال الصراع (مثل اعتراض طائرة بيلوسي). حصل ذلك على الأرجح لأن أفضل حرب قد تخوضها الصين الواثقة بنفسها تفرض على جيش التحرير الشعبي أن يتحرك بسرعة ضد تايوان ولا يوجّه تحذيرات مكثفة إلى الولايات المتحدة.

خلال السنوات المقبلة، لن تواجه الولايات المتحدة الصين المتهورة التي تفتقر إلى الأمان بل نسخة صينية قوية وواثقة بنفسها، ولن تنتصر واشنطن في هذه المنافسة لأن بكين ستخرج من السباق، كما فعلت موسكو في نهاية الحرب الباردة، وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تضمن مصالحها في آسيا، يجب أن تستعد إذاً لخوض الحرب مع الصين عاجلاً أو آجلاً.

* أوريانا سكايلر مايسترو وديريك سيزورز

Foreign Affairs

إذا أرادت الولايات المتحدة أن تضمن مصالحها في آسيا يجب أن تستعد لخوض الحرب مع الصين عاجلاً أو آجلاً

الجيش الأميركي لن يتقبّل التقدّم الذي يحرزه جيش التحرير الشعبي من دون تحريك أي ساكن
back to top