محو الأمّية الرقمية... والتجارة الإلكترونية

نشر في 20-07-2022
آخر تحديث 20-07-2022 | 00:10
رغم المحاولات الجدّية والحثيثة التي تقوم بها الوزارات والأجهزة المختصة، ومع النجاح الذي تم إحرازه في تسهيل وتوحيد منصة المعاملات الحكومية من خلال بعض التطبيقات الإلكترونية، لاسيما في مرحلة تفشي جائحة كورونا، لا أظن أن هناك مبالغة في تصوير ضبابية واقع «الرقمنة» بالكويت.
 د. بلال عقل الصنديد في عام 2003 نظّمت دولة الكويت مؤتمراً حاشداً حول «الحكومة الإلكترونية» تكاتفت لإنجاحه كل الجهود ووضعت كل الإمكانيات تحت تصرف القائمين عليه، وقد علّق عليه المعنيّون في القطاعين العام والخاص آمالاً واسعة لإطلاق صفارة الالتحاق بركب الثورة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات.

استضاف المؤتمر عدداً مهماً من الخبراء والمختصين من الدول الغربية والعربية، ولم يلفتني في جميع المشاركات -التي عادة ما تكون نظرية أو تسويقية- سوى مداخلتين: إحداهما لمسؤول حكومي غير كويتي نجحت دولته في مسار التكنولوجيا الرقمية، والأخرى لخبير آسيوي كان مشرفاً على وضع وتنفيذ خطة الحكومة الإلكترونية في بلاده.

لقد لاحظ المسؤول الحكومي حجم الإنفاق الكبير الذي صرف لإنجاح المؤتمر على النحو الذي يليق بصورة المضيفين ويتناسب مع القيمة الرفيعة للضيوف والمشاركين، فركّز في مداخلته القصيرة على القول بأنه لو تم استخدام كل هذه التكاليف لشراء حاسوب لوحي «لابتوب» لكل طالب كويتي لوفرّت دولة الكويت على نفسها كثيراً من الجهد والوقت لتأهيل البنية التحتية اللازمة لـ»محو الأمية الرقمية».

وهذه العبارة الأخيرة هي التي كانت محور مداخلة الخبير الآسيوي الذي ركّز على أن خطة دولته، التي تعتبر اليوم من متصدري قائمة الدول المعتمدة كليّاً على الإدارة الإلكترونية، ركّزت بشكل رئيسي في سنواتها الخمس الأولى على التحول التدريجي في مراحل التعليم المختلفة من الأساليب التقليدية إلى تلك التي تدور في فلك الرقمنة والتكنولوجيا انطلاقاً واستهدافاً.

في عصرنا الحاضر توسّع مفهوم الأمية ونطاقها من مجرد عدم الإلمام بأبجديات القراءة والكتابة والحساب، ليشمل الجهل بتقنية المعلومات والأجهزة الإلكترونية ووسائل الاتصال الحديثة وأساليب التعامل عن بعد «أونلاين».

من الأخطاء التقليدية في الخطط الانفعالية والمبادرات غير المدروسة الالتهاء -وربما الاكتفاء- بالعناوين الجذابة والأهداف الكبرى مع تجاهل الأبجديات الرئيسية لمجال العمل وعشوائية التعامل مع سبل الوصول إليها؛ فكيف لنا أن ننجح في «إدارة إلكترونية» مادمنا لم نصل بعد الى ربط إلكتروني بين الأجهزة والمؤسسات المختصة؟! وكيف لهذا الربط أن ينجز مادام الموظف المعني جاهلاً بكيفية إتمامه متجاهلاً لأهمية دوره أو رافضاً لمنافسته له في سلطة التوقيع أو اتخاذ القرار؟! وكيف للموظف أن يتآلف ويتعامل مع هذا المستجد في وقت لم يؤهل بشكل جدّي وعلمي لا في مدرسته ولا في جامعته ولا حتى في الدورات التدريبية التي خضع لها لمثل هذا الأمر؟!

رغم المحاولات الجدّية والحثيثة التي تقوم بها الوزارات والأجهزة المختصة، ومع النجاح الذي تم احرازه في تسهيل وتوحيد منصة المعاملات الحكومية من خلال بعض التطبيقات الإلكترونية، لاسيما في مرحلة تفشي جائحة كورونا، لا أظن أن هناك مبالغة في تصوير ضبابية واقع «الرقمنة» في الكويت. ولا يفيد، في السياق، البحث عن المسؤولين والتذاكي في توزيع المسؤوليات، فلمثل هذه الأمور مجالاتها المختلفة والمخولون للقيام بها، وبخاصة أن المسؤولية مشتركة ومتعددة الجوانب.

جلّ ما يهمّ في هذا السياق هو التذكير بأهمية تجاوز مرحلة التخطيط التنظيري والمكلف جهداً ووقتاً ومالاً، لمصلحة أولوية وحيدة هي الإسراع بتنفيذ خطوات عملية مدروسة تعزّز من جهود محو «الأمية الإلكترونية» وتكرّس الثقافة الرقمية وتمهّد تدريجياً -ولكن بخطى سريعة غير متسرعة- للتحول الرقمي في كثير من معاملاتنا الرسمية والخاصة.

يتم التداول منذ سنوات بشأن مقترح لتنظيم وتشريع «التجارة الإلكترونية» بإقرار قانون خاص بذلك يكمل باقة التشريعات التي أصدرتها دولة الكويت وأنشأت من خلالها هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات، ونظّمت مكافحة جرائم تقنية المعلومات والإعلام الإلكتروني، وشرّعت تنظيماً كاملاً للمعاملات الإلكترونية.

لاشك أن هذه الخطوات التشريعية المهمة -ولو كانت متأخرة- تساهم بشكل جدّي في التحاق دولة الكويت بركب التطورات المعاصرة حيث أصبح التواصل الاجتماعي مرهوناً بوسائل الاتصالات الحديثة، وأضحت الصفقات والمشتريات ومواقع الشركات والألعاب والإعلانات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الرقمية، وصار التعليم وإنجاز المعلومات إلكترونياً واقعاً وأكثر من حاجة.

ورغم ايجابية هذه الخطوات، فإن الواقع ليس على قدر الطموحات، ذلك يعود إلى حد بعيد إلى وجود أمية إلكترونية تضافرت عدة عوامل لعدم النجاح في التغلب عليها. هذه الأمية النوعية التي تشمل شريحة واسعة من الشرائح الاجتماعية والوظيفية والسياسية جعلت مثلاً من القانون رقم (20) لسنة 2014 في شأن المعاملات الإلكترونية قانوناً صعباً على الفهم من قبل المخاطبين به وعصيّاً على التطبيق السهل والكامل من قبل الحريصين على ذلك. وهذا ما يجب التنبه إليه وتداركه في مرحلة إعداد وإقرار قانون «التجارة الإلكترونية».

لا شك أن مجرّد إقرار قانون ينظم «التجارة الإلكترونية» سيشكل خطوة إيجابية ومنتظرة بحد ذاتها، إذ إن تخطي مراحل التوافق السياسي والتقني على إقراره يشكل أرضية مناسبة لإجراء تعديل لاحق على أي مضمون غير موفق في أحكامه. ولكن الأمر يقتضي –ما دمنا في مرحلة النقاش في المقترح- أن نجهز أدوات النجاح في تنفيذه حتى قبل إقراره، ومن ذلك «محو الأمية الإلكترونية» لمنفذيه المتوقعين وللمخاطبين بأحكامه، فضلاً عن ضرورة تلافي تعقيدات الصياغة التي ساهمت في الشلل -الجزئي أو الكلي- لما سبقه من تشريعات.

ومن بين المقصود بمحو الأمية في التجارة الإلكترونية، التفاعل العلمي السليم لصائغي القانون وللرأي العام وللشرائح المتوقع أن تمارس هذا النوع من التجارة مع المعاني والمقاصد الصحيحة للمصطلحات المستخدمة في النص، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، يقتضي العلم بالفارق بين المنتج الإلكتروني من جهة والتسويق الإلكتروني لمنتج ملموس من جهة أخرى، كما يقتضي الإلمام بنطاق التجارة الإلكترونية الذي يحدده القانون والاستثناءات عليه، الأمر الذي لا يمكن اعتباره أسهل فيما يخص تحديد فئة «التجار» الخاضعين لأحكامه وما يستلزمهم من تراخيص مادية أو إلكترونية ذات صلة...إلخ

* كاتب ومستشار قانوني

د. بلال عقل الصنديد

مجرّد إقرار قانون ينظم «التجارة الإلكترونية» سيشكل خطوة إيجابية ومنتظرة بحد ذاتها

كيف يتمكن موظف من موكبة المستجدات الإلكترونية وهو لم يؤهل لذلك جدياً في مدرسته أو جامعته أو حتى فيما تلقاه من دورات تدريبية؟!
back to top