فشل الخصخصة

نشر في 17-06-2022
آخر تحديث 17-06-2022 | 00:00
 حبيب السنافي لكل نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي طبيعته التي تميزه وينفرد بها عن الأنظمة الأخرى، وللنظام الاقتصادي الرأسمالي طبيعته وفلسفته المادية اللا أخلاقية، وسعيه الدؤوب «للربح» بالوسائل المتلونة المتخفية بثوب الشرعية القانونية والأخلاق العفيفة! فتارة بادعائه حمل مشعل العلم والتقدم وتارة باسم النهوض بالتنمية في الدول الفقيرة «النامية»، تلك الحيل التي راح ضحيتها اقتصادات دول حلمت شعوبها بالرفاهية والتقدم واستيقظت على قيود الديون المليارية للبنوك والصناديق الاستثمارية والشركات العالمية.

تعتبر عملية الخصخصة إحدى تلك الوسائل الرأسمالية في السيطرة على اقتصادات الدول ونزف ثرواتها، وهي تطرق أبواب اقتصادنا بإلحاح، ومهد الطريق لها له عواقب جسيمة إن لم نراجع خططنا الاقتصادية بدقة ونرسم لها الحدود ونقيدها بأشد القوانين حصانةً للاقتصاد والمجتمع.

الخصخصة لا يتضح أثرها السلبي إلا عند تحويل الخدمات الحياتية شبه المجانية للشعب في اقتصادنا الريعي لمسؤولية شركات الخصخصة، ونحن لا نعلم في البداية إن كانت حقاً شركات رأسمالية وطنية أم وكيلة لشركات أجنبية تستعين بها لإدارة مرافق ضخمة كالصحة والتعليم والكهرباء وغيرها.

إن دخول تلك الشركات الأجنبية لو حصل سيؤدي حتماً إلى اختلالات اقتصادية لصالح تلك الشركات، فالأرباح ستخرج من البلد لأنها غير مرتبطة باستثمارها في السوق المحلي، ولوائحها الداخلية تصد سلطة الدولة عن التدخل في شؤون وقرارات شركات الخصخصة.

هدف شركات الخصخصة الربح، ورفع الأسعار بحجة رفاهية الخدمة إحدى ألاعيبها وخدعها، أو بعذر ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الخام أو حدوث اضطرابات سياسية واقتصادية، قرارات تتخذها مجالس إدارات غير منتخبة، شركات غير مسؤولة عن توفير الخدمات والسلع بسعر زهيد في متناول كل المواطنين أو مراعاة الظروف الاجتماعية للمواطن المستهلك، أو اعتبار استثناءات للمعاقين وكبار السن مثلاً، أو مسؤوليتها في توفير فرص عمل أكثر للقادمين الجدد إلى سوق العمل، لأن أخلاقها تجارية لا مجتمعية، تلك هي المفارقة الكبرى.

تجارب تطبيق الخصخصة مريرة، لم يجن منها سوى الخيبة والفقر لشعوب الدول النامية، وبراهينها ممتدة من دول آسيا وإفريقيا إلى أميركا اللاتينية، فهناك 130 بلدا على الأقل فشلت فيه الخصخصة، ونماذج مثل تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية أدت العوامل السياسية دوراً مؤثراً في استيعاب الخصخصة لمطالب شعوبها، مما لا يعتد بها كنماذج لصالح الخصخصة في إنقاذ اقتصادات الدول النامية.

* حبيب السنافي

back to top