بوتين قد لا يُساق إلى العدالة يوماً

نشر في 18-05-2022
آخر تحديث 18-05-2022 | 00:00
من المستبعد أن تؤثر العقوبات على يوميات بوتين الذي يعيش حياة مترفة أو على السلع الفاخرة عموماً، فلن تصبح العقوبات يوماً مُرضِية بقدر رؤيته وهو يتعفن في أحد سجون لاهاي، ولا يمكن تحقيق العدالة التي نريدها في جميع الحالات، لكن ستكون القيود المفروضة على القوة العسكرية الروسية ونفوذ موسكو الاستراتيجي عقاباً مناسباً.
 فوراين بوليسي عبّر البيت الأبيض عن التزامه القوي بمحاسبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأعمال الوحشية التي ترتكبها قواته العسكرية في أوكرانيا، لكن يجب ألا ينتظر أحد حصول ذلك لأن إدارة بايدن تتمنى بكل بساطة أن يُساق مرتكبو جرائم الحرب إلى العدالة عن طريق المحاكم الدولية وآليات قانونية أخرى.

تبقى المحاكمات الناجحة استثناءً نادراً، فقد سبق أن فشل نظام ملاحقة الجرائم ضد الإنسانية في قضايا متكررة: في ميانمار، أعلنت إدارة بايدن أن المجلس العسكري يرتكب إبادة جماعية ضد أقلية الروهينغا، لكن يتراجع الأمل بمحاسبة المرتكبين، وفي إقليم «تيغراي» في إثيوبيا، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الأعمال الوحشية هناك تدخل في خانة «التطهير العرقي»، لكن لم تترافق تلك الكلمات مع أي عواقب ملموسة، وفي الصين، يقبع أكثر من مليون إيغوري في معسكرات الاعتقال، ويتراجع احتمال أن يُحاسَب أحد في هذه القضايا كلها.

لكن يتّضح فشل هذا النظام في محاسبة مجرمي الحرب في سورية أكثر من أي مكان آخر، فقد أثبت بوتين وحليفه الدكتاتور السوري بشار الأسد أن أحداً لا يستطيع محاسبتهما رغم ارتكابهما جرائم حرب مريعة ضد المدنيين، ويُعتبر استمرار هذه الحرب الوحشية منذ عشر سنوات دليلاً على شوائب العملية التي يرغب الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته في تطبيقها على أوكرانيا اليوم.

لكن لا يعني ذلك أن فكرة محاسبة بوتين ميؤوس منها، فقد تكون العقوبات والعزلة الدبلوماسية من أدوات المحاسبة الأكثر فاعلية لأنها تحرم الجهات المستهدفة من الموارد التي تسمح لها بمتابعة أعمالها العدائية والوحشية، حيث تفيد التقارير منذ الآن بأن روسيا بدأت تفتقر إلى الأسلحة الدقيقة، مثل صواريخ «كروز»، إذ يرتكز تصنيعها على استخدام تقنيات غربية، كذلك، قد تحرم العقوبات الشاملة بوتين من قوات مسلّحة قوية بما يكفي لمهاجمة جيرانه الأوروبيين.

بناءً على الدروس المستخلصة من الأزمة السورية، يجب أن يستعد الأميركيون وحلفاؤهم لمواجهة المعارضة المتزايدة للعقوبات حين تتلاشى المواقف الغاضبة، فحتى الآن يتفاخر بايدن باحتمال أن يتراجع الاقتصاد الروسي إلى النصف خلال السنوات المقبلة، لكن ذلك يعني عملياً إغراق ملايين الروس في الفقر، مع أنهم غير مسؤولين عن تصرفات حكومتهم في أوكرانيا، لكن تتوقف أي سياسة عقوبات مستدامة على قناعة راسخة مفادها أن حماية جيران روسيا من الاعتداءات الوحشية، وتقليص مخاطر الحروب الدموية المستقبلية في أوروبا، ومحاسبة الكرملين على أفعاله، أهم من إنقاذ الشعب الروسي من تداعيات العقوبات.

يجب أن يصبح بوتين وأعضاء حكومته شخصيات غير مرغوب فيها، مما يعني استبعاد روسيا من الاجتماعات التي تشمل قادة أميركيين أو أوروبيين، إلا إذا التزم بوتين جدّياً بإصلاح الأضرار التي أحدثها في أوكرانيا وأماكن أخرى.

ما من قواعد محددة لحرمان دولة منبوذة من مقعدها الدائم في مجلس الأمن، ولن يكون تهميش أكبر مُصدّرة نفط في العالم عملاً سهلاً بأي شكل، لكن تبقى هذه الطريقة واعدة أكثر من جمع الأدلة التي تثبت ارتكاب أعمال وحشية على أمل أن تنشأ منصة تسمح بمحاكمة بوتين وأعوانه يوماً.

في المقام الأول، قد تسمح العقوبات الصارمة بكبح آلة الحرب الروسية، فقد سبق أن كشفت الأزمة الأوكرانية حجم الشوائب في الجهود الروسية الرامية إلى بناء جيش رفيع المستوى، فقد تمنع العقوبات إذاً تحقيق هذا الهدف بشكلٍ دائم عبر حرمان روسيا من الرساميل اللازمة لزيادة استثماراتها في قواتها المسلحة، حتى أنها قد تمنع موسكو من الحصول على تقنيات غربية مثل المعالِجات للأسلحة الدقيقة التوجيه.

بدل تطبيق استراتيجية مشبوهة لمنع بوتين من إطلاق اعتداءات أخرى في أوروبا، تهدف هذه المقاربة إلى حرمانه من الوسائل التي يحتاج إليها لترهيب الدول المجاورة منذ البداية، فحين تتكل روسيا المنبوذة على قوات مسلّحة مُستَنزفة ومتداعية، لن يُحقق بوتين رؤيته باسترجاع عظمة الإمبراطورية الروسية الغابرة يوماً.

ومن المستبعد طبعاً أن تؤثر العقوبات على يوميات بوتين الذي يعيش حياة مترفة أو على السلع الفاخرة عموماً، ففي هذا الإطار، لن تصبح العقوبات يوماً مُرضِية بقدر رؤيته وهو يتعفن في أحد سجون لاهاي، فلا يمكن تحقيق العدالة التي نريدها في جميع الحالات، لكن ستكون القيود المفروضة على القوة العسكرية الروسية ونفوذ موسكو الاستراتيجي عقاباً مناسباً للجرائم المرتكبة وأداة فاعلة لمنع ارتكاب جرائم أخرى من هذا النوع، وربما نحتاج إلى هذا الشكل من العدالة في نهاية المطاف.

* ديفيد أديسنيك

Foreign Policy

back to top