الهاوية الدستورية الأميركية بعد قضية رو

نشر في 16-05-2022
آخر تحديث 16-05-2022 | 00:06
 بروجيكت سنديكيت إن الشبح القانوني القديم المتعلق بمبدأ حقوق الولايات لا يزال يطارد الجمهورية الأميركية، فهذه النظرية الدستورية التي تم إحياؤها كانت تُستخدم في السابق من أجل الترويج لقضية الولايات الثائرة المؤيدة لحق الاحتفاظ بالعبيد قبل الحرب الأهلية الأميركية والدفاع عن الفصل العنصري في الولايات الكونفدرالية السابقة خلال فترة المئة سنة التي تلت تلك الحرب واليوم فإن هذه النظرية تهدد مجدداً الحقوق المدنية ودعائم الدولة الأميركية. ونظرية حقوق الولايات تنص على أنه بإمكان الولايات أن تقرر فيما يتعلق بالحريات الأساسية ولدرجة إبطال السياسات الوطنية، حيث نجد تلك النظرية في المسودة التي تم تسريبها مؤخرا لرأي الأغلبية الصادر عن المحكمة العليا الأميركية والذي كتبه القاضي صمويل أليتو والذي من شأنه أن يلغي قضية رو ضد ويد، وهو قرار المحكمة العليا التاريخي لعام 1973 والذي شرّع الإجهاض في جميع أنحاء البلاد.

إن مثل هذا الحكم سيعيد الولايات المتحدة الى فترة ما قبل الوضع الراهن وذلك عندما كان يُسمح للولايات بتجريم الإجهاض علماً أن 30 ولاية كانت تجّرم الإجهاض قبل سنة 1973 وهذا يعني أن المحكمة العليا ستعيد عقارب الساعة فيما يتعلق بحقوق المرأة الى 50 سنة خلت وتفتح الباب أمام حالة غير مستقرة من الأنشطة القضائية الرجعية التي تنقض سوابق قضائية تمت تسويتها.

والسبب وراء ذلك هو أن مبدأ حقوق الولايات لا يقتصر على قضايا الإجهاض والخصوصية، بل هو سلاح من أسلحة «الحرب القانونية» يستخدمه القانونيون من أنصار اليمين ضمن تمرد قانوني يتم تمويله بشكل جيد ويستهدف سلسلة من القضايا وذلك من الأنظمة الفدرالية إلى النظام الانتخابي، وأولئك الذين اعتقدوا أن الحرب الأهلية قد حلت بشكل لا لبس فيه توازن القوة الدستورية لصالح الحكومة الفدرالية والمعايير الوطنية المتعلقة بالحقوق الأساسية يجب عليهم التفكير مجددا في هذا الاعتقاد.

فالفدرالية في طبيعتها تُعتبر عملية توازن صعبة لأنها تنطوي على سيادة مزدوجة، ويحتوي دستور الولايات المتحدة على مبادئ متعارضة: إن بند سلطة القانون يجعل التشريع الفدرالي هو القانون السائد في البلاد في حين يحتفظ التعديل العاشر بحقوق لا حصر لها «للولايات أو للشعب». والسمة المميزة لدستور الولايات المتحدة الأميركية هي أنه عقد بين الولايات، وهنا تكمن الإشكالية فهو في الأصل عقد بين 13 ولاية التي أصبحت الآن 50 ولاية، لقد كانت الولايات- لا نحن الشعب- هي التي توصلت الى حل وسط تاريخي سنة 1787 من أجل تقوية الاتحاد، ولكن ليس بدرجة كبيرة.

وفي حين أن مبدأ حقوق الولايات ينطوي على بعض الأسس الدستورية التي يمكن البناء عليها، فإنها أسس قديمة ولا تنطبق على العصر الحديث، واذا عدنا الى الوراء، فربما كان من الخطأ إلغاء العبودية فقط بعد الحرب الأهلية وربما كان ينبغي إلغاء الولايات نفسها، وفي حين كانت الولايات ولا تزال راسخة بحيث لا يمكن أن تنجح فكرة إلغائها، فإنه لو عاش ألكسندر هاملتون وهو أحد المؤسسين للدولة الأميركية حتى يومنا هذا، فإنه قد يوافق على مثل هذا الإلغاء.

فالولايات الفدرالية تعتبر منطقية الى حد كبير من حيث التبعية- تفويض السلطات الإدارية البحتة على المستوى المحلي- لكن تلك الولايات تقدّم حماية ضعيفة للحقوق الأساسية، وعلى الرغم من أن الولايات الأميركية غالبا ما يتم الإشادة بها باعتبارها «مختبرات للديموقراطية» طبقا للعبارة الشهيرة لقاضي المحكمة العليا لويس برانديز ، فإنها بموجب مبدأ حقوق الولايات يمكن أن تبدو أشبه بحاضنات للاستبداد المحلي.

لقد كان علم القانون المحافظ المسؤول يرتكز على فضائل ضبط النفس القضائي، ولكن في هذه الأيام فإن أولئك الذين يصفون أنفسهم بالمحافظين يؤمنون بخليط غير متجانس من المعتقدات التي تشمل نظرة الكونفدراليين الجدد لمبدأ حقوق الولايات والنظرية «التنفيذية الموحدة» لرئاسة امبريالية وهي النظرية التي تبناها نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني والمدعي العام الأميركي السابق ويليام بار والعقيدة المناهضة للتنظيم والتي تبناها عدد قليل من أقطاب وادي السيليكون مثل بيتر ثيل، حيث يعتقد هولاء أن المشاريع والأنشطة الحرة هي التي تحدد الصالح العام.

ينتج عن تلك الآراء المشوشة سلطة تنفيذية بقيادة رئيس يكون في الحال إمبراطورا بدون أي رقابة وموظف ضعيف في الوقت نفسه، ويتمتع الرئيس بسلطة إطلاق الصواريخ النووية بالإضافة الى سلطات كبيرة في حالات الطوارئ- لقد أعلن دونالد ترامب أن لديه سلطات لا يعرف أحد عنها– لكن الوكالات التنفيذية التي تخضع للرئيس تفتقد لسلطة اصدار تفويض على المستوى الوطني من أجل الكمامات أو اللقاحات وذلك لحماية الصحة العامة خلال جائحة ما.

ومن اللافت للنظر أيضا أن وثيقة الحقوق قيّدت في الأصل تصرفات الحكومة الوطنية فقط لا الولايات، لقد توسّع نطاق حماية الحقوق المدنية ضد نزوات حكومات الولايات عبر عقود عديدة من السوابق القضائية للمحكمة العليا بعد الحرب الأهلية، وتم الحصول على معظم تلك الحقوق من خلال التفسير القضائي الإبداعي لبند الإجراءات القانونية الواجبة ضمن التعديل الرابع عشر. ومن المشاكل ذات الصلة ضمن دستور الولايات المتحدة عدم وجود حق فردي في التصويت المباشر لمرشحي الرئاسة فنظام الهيئة الانتخابية القائم على أساس الولاية لا التصويت الشعبي على المستوى الوطني هو الذي يحسم النتيجة.

يوفّر هذا الترتيب الذي عفا عليه الزمن ميزة إضافية لمبدأ حقوق الولايات، فمن العوامل الخبيثة بشكل خاص نظرية «الهيئة التشريعية المستقلة للولاية»، والتي تجادل بأن الدستور يمنح السلطات للهيئة التشريعية للولاية بدلاً من ناخبيها لتحديد من ينتخب الرئيس طبقاً لنظام الهيئة الانتخابية للولاية.

ويمكن استخدام هذه النظرية، إذا أقرتها المحكمة العليا التي تفتقد للتوازن حالياً في التحكم بالانتخابات الرئاسية أو في حالة الوصول لطريق مسدود طرح اختيار الرئيس على مجلس النواب بموجب التعديل الثاني عشر مما يمنح الولايات القرار النهائي وكما أظهرت التحقيقات في تمرد 6 يناير 2021 فإن من الممكن تحريف مبدأ حقوق الولايات ليصبح أداة من أجل التخطيط لانقلاب دستوري.

إن مبدأ حقوق الولايات هو عبارة عن نظرية قانونية شريرة من الماضي المشين لأميركا والتي تؤدي إعادة احيائها الى تعريض الديموقراطية والحكم للخطر، أما حالياً فإن من الواضح أكثر من أي وقت مضى لماذا قال بينجامين فرانكلين ساخراً عندما سُئل عن شكل الحكومة التي اختارها المؤتمر الدستوري: «جمهورية، إذا كنتم قادرين على الاحتفاظ بها».

* عضو في مجلس الأمن القومي الأميركي إبان فترة رئاسة بيل كلينتون ونائب سابق لمساعد وزير الخزانة الأميركي ومؤسس مشارك لمنظمة «حافظوا على جمهوريتنا» وهي منظمة مدنية غير حزبية.

* مارك ميديش

Project Syndicate

back to top