إيجارات بلا ضمانات...

نشر في 09-05-2022
آخر تحديث 09-05-2022 | 19:31
مستشار قانوني عمرو الغازي
مستشار قانوني عمرو الغازي
واقع أُكرهنا عليه، تواطأت فيه الغالبية على اغتيال إرادة المشرع، واتحدت فيه المصالح الفردية لعرقلة الضمانات العامة، فتُنتقى أحكام قانون الإيجارات ويُؤخذ ببعضها ويُهمل البعض الآخر عمداً، ليغدو توقيع المستأجر محض إكراه تحت وطأة الحاجة، وإذعاناً للمؤجر في ظل غياب الرقابة، بتعطيل متعمد للضمانات، كي لا يملك المستأجر حياله سوى الموافقة أو الرفض دون تدخل في إرادة واضعيه أو إعمال النُّذر اليسير من سلطان إرادته على عقده، فالبعض يباغت المستأجر وقت إبرام العقد بتقديم إقرار بالإخلاء بمقولة ضمان حق المؤجر، وما يلبث أن يتحول إلى سلاح يُشهر في مواجهة موقعه وفق رغبة المؤجر، وصورة أخرى يذهب فيها المؤجر إلى تحديد أجرة العين ضمن العقد بقيمة أعلى من تلك المتفق عليها شفوياً عند معاينة العين، ويطمئن المستأجر عند تسلمه إيصال سداد الأجرة بقيمتها الأعلى، دون أن يعلم أنه سيصبح ملزماً بها – عند الاقتضاء – ليُجبر على مغادرة العين وقت حاجة المؤجر إليها.

وتارة أخرى يُدرج المؤجر، على خلاف الواقع، التزاماً إضافياً بسداد قيمة الخدمات كالمياه والكهرباء، رغم التزامه بها شفوياً عند التعاقد، ليظل المستأجر مهدداً بسدادها إذا لم يذعن لطلبات المؤجر.

وحالات أخرى تُنتهك فيها نصوص القانون، بإدراج بند جوهري غير مألوف في عقود الإيجار العادية ليُخرج الدعوى برمتها من نطاق اختصاص دائرة الإيجارات لتدخل نطاق الدائرة التجارية، إهداراً للضمانات التي تغياها المشرع في نصوصه.

ما هي إلا صور متباينة لهدف واحد، هو الالتفاف حول إرادة المشرع التي جسدتها الحقوق والضمانات الواردة بقانون الإيجارات، التي افترض فيها أن تزكي من شعور المستأجر بالاستقرار والأمان المعيشي! كي لا يبقى مهدداً بفقدان أحد أهم احتياجاته الأساسية في انتظار الغدر الوشيك.

إن الضمانات لم تكن يوما رفاهية أو تَزيدا لا مُبرر له، بل إنها علاوة على كونها جوهر التوازن العقدي بين أطرافه، تُمثل حماية للغير كالخلف الخاص (مُشتري العقار) أو من سيضطلع بإدارته (مدير العقار)، إذ إن قدر الريع الحقيقي الذي يُدره العقار هو الاعتبار الأساسي الذي يدفعه للتعاقد.

فالسيطرة على سوق العقارات تستلزم تعديلاً تشريعياً بالإضافة، يُدرج فيه عقد نموذجي يضاف إلى مواد القانون وأحكامه، يُعمل به دون سواه للحيلولة دون إدراج أي بند غير مألوف تحيد معه بوصلة الاختصاص عن نطاق قانون الإيجارات إلى غيره، وتمكين كل مؤجر من التسجيل على منصة وزارة العدل لتحميل نسخ من كل عقد يُبرمه، وإدراج حسابه البنكي لتُسدد الأجرة مباشرة عبر المنصة تداركاً لأي تعمد مقصود لعرقلة التزام المستأجر بسداد الأجرة في مواعيدها المقررة، تحقيقاً للشمول المالي والإداري المنشود.

ونرى في ذات السياق أن يُفرض تأمين جماعي تعاوني فيما بين مؤجري العقارات يتناسب وقيمة كل عقار وما يحتويه من أعيان، لحفظ ما قد يتأخر من حقوقهم أو يصعب عليهم تحصيله، تخلصاً من المشكلات المتكررة الناتجة عن الإجراءات والآليات التقليدية المُتبعة في تنفيذ التزامات الطرفين، تلك الأعباء التي أثقلت كاهل وزارة العدل وإداراتها المختلفة عبر عقود من الزمن.

back to top