حوار كيميائي: يا رب حُسن الخاتمة!

نشر في 25-04-2022
آخر تحديث 25-04-2022 | 00:18
 د. حمد محمد المطر استوقفني مقال لكاتب بعنوان "الشرهة على اللي ما احذفه كله"، تعليقاً على تصريح للموجه العام للتربية الإسلامية عن تخفيف المنهج بنسبة ٢٥ بالمئة، بسبب تراجع عدد الساعات التعليمية وتقلّص العام الدراسي، وهو تصريح وإن كان فنياً، لكنّه لم يكن موفقاً بالصيغة التي تم التعبير عنها، منعاً لإساءة الفهم حول مناهج التربية الإسلامية القائمة على الاعتدال والوسطية، وأنتجت أجيالاً من المتصالحين مع واقعهم، والمرحبين بالتجديد والمعاصرة، وفي الوقت نفسه يملأهم الاعتزاز بانتمائهم لهويتهم العربية والإسلامية، بعيداً عن أشكال التطرف والعنف التي راجت في العمل العام.

يقول الكاتب إن "منهج التربية الإسلامية يتعارض مع النظام الديموقراطي والدستور والعهد الدولي لحقوق الإنسان"!

وأنا أتساءل: هل يمنع النظام الديموقراطي من تعلُّم مجتمع ما ثقافته الدينية وهويته الاجتماعية، باعتبار الدين حاضراً في السلوك العام، وجزءاً من السمة الشخصية التي تمنح الفرد والمجتمع التفرد الذي يميزه؟ كذلك المادة الثانية تنصّ على أن "دين الدولة الإسلام"... هل تحتاج إلى توضيح دلالة هذا النص واتساقه مع ما تسعى وزارة التربية إلى تعليمه والتثقيف عليه؟!

أما عن تعارُض منهج التربية الإسلامية مع العهد الدولي لحقوق الإنسان، الذي "وقّعت عليه الكويت"، فهل يعلم أن هذا العهد أخذ من القرآن الكريم أكثر ربما مما أخذه من بقية الأديان، وأن مجمل بنوده يتوافق مع صحيح الإسلام؟! ولنا في كتاب "المدخل في القانون الدولي الإنساني" للخبير الدولي عامر الزمالي، الذي يعدّ أحد المراجع المعتمدة، أسوة.

"المتدينون اعترضوا على النظام الديموقراطي ورفضوا الدستور منذ عام 1961 وقاطعوا الانتخابات"، سؤالي عن هذا الإسقاط؛ أين كان عبدالله العلي المطوع الذي أعلن ترشحه عام 1967؟ وأين كان السيد يوسف الرفاعي الذي نجح في الانتخابات التشريعية في العام نفسه عن دائرة المنصورية؟ بل أين دفاتر الذاكرة لتخبرنا عن العم عباس مناور الذي شارك في المجلس التأسيسي؟ رحمهم الله جميعاً، كانوا حاضرين في المشهد.

يؤمن الإسلاميون بأن النظام الديموقراطي من أفضل ما أنتجت البشرية لإدارة الحكم، لكنّه ليس "الأفضل"، والدليل تلك النماذج التي طرأت وطوّرته مثل "الديموقراطية الاجتماعية" التي خفّفت من توحُّش الرأسمالية.

طالب الكاتب بإثبات "أي تطور أخلاقي واجتماعي ارتقى بالناس"، وأستدل بتجربتين فقط، وأترك البقية لوعي القارئ، هل سمعت عن تجربة العمل المالي القائم على أحكام الشريعة الإسلامية، وأين بلغت آفاقه؟! هل تعلم أن بذوره الأولى نبعت من أصالة هذه الأرض، واليوم تصل موجوداته في العالم إلى أكثر من 400 مليار دولار؟ وهل تعلم أن هذا النوع من الاقتصاد "الأخلاقي" الذي يحارب الغش والجهالة والغرر هو الذي يمكن أن ينقذ العالم من إشكالاته المالية المزمنة؟! وغنيّ عن الذّكر تجربة العمل الإنساني والخيري الكويتي وآثارها التي ساهمت في إحداث انتقالة اجتماعية.

أما الوقفة الأخيرة التي أودّ التعليق عليها، ففيها من الخصوصية كونها تحمل إساءة شخصية في حق والدي، يرحمه الله، لن أعلّق على الألقاب التي عبّر عنها، فلا توجد فكرة تستحق التعليق، لكنني سأذكر أن حمد تربّى على يد الإمام الحافظ والشيخ الخطيب محمد جاسم محمد المطر، يرحمه الله، الذي كانت حياته عامرة بالقرآن والمسجد لأكثر من 70 عاماً، لم يتحلل من دينه ولم ينسلخ من جلده، ولم يتنكّر لعروبته، ورغم كل ما قلت سأحرص فيما تبقّى من هذا الشهر الكريم على أن أسأل الله لك - بصدق وبقلبٍ مُشفق - حُسن الخاتمة... يا رب اختم بالصالحات أعمالنا وآمالنا.

د. حمد محمد المطر

back to top