في ظلال الدستور: التعديل التشريعي واجب في اختيار قضاة المحكمة الدستورية

نشر في 17-04-2022
آخر تحديث 17-04-2022 | 00:10
يتعين على المشرع تعديل المادة (2) من قانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية، ليصبح رئيس محكمة التمييز ونائبه ورئيس محكمة الاستئناف ورئيس المحكمة الكلية أعضاء في المحكمة الدستورية بنص القانون، ولا يخضعون للاقتراع السري في تشكيل المحكمة.
 المستشار شفيق إمام عطفاً على المقالات الثلاث السابقة، تحت عنوان «الاقتراع السري: اختيار قضاة المحكمة الدستورية محاولة للفهم»، والذي استبان لنا من هذه المحاولة، عبر هذه المقالات، كيف استقام هذا الاقتراع منذ إنشاء المحكمة الدستورية في عام 1973، ولمدة قاربت نصف قرن، إلى أن غيب الاقتراع الأخير رئيس محكمة التمييز ونائبه عن الفوز بمقعديهما الطبيعيين في تشكيل المحكمة الدستورية.

السلطة المقيدة في الاقتراع السري

والواقع أن الاقتراع السري الذي أجراه المجلس الأعلى للقضاء لاختيار قضاة المحكمة الدستورية لا يعدو أن يكون شكلاً للقرار الإداري الذي يصدره المجلس بوصفه هيئة إدارية اختصها المشرع بهذا الأمر، فيجب أن يستوفي هذا القرار أركانه الأخرى من محل وسبب وغاية، فالغاية هي ركن أساسي في القرار، وتتمثل في الغرض أو الباعث أو النتيجة النهائية التي يسعى المجلس إلى تحقيقها، والتي يهيمن عليها المصلحة العامة التي هي غاية كل قرار إداري، والغرض المخصص وهو اختيار الأكثر قدرة على حمل المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق المحكمة الدستورية في صون أحكام الدستور.

وقد ألزمت المحكمة الدستورية المجلس الأعلى للقضاء بالتزام الأقدميات والترتيب في هذا الاختيار في دعوى البطلان الأصلية التي أقيمت أمامها في الحكم الذي أصدرته في هذه الدعوى في القضية رقم 46 لسنة 2008 دستوري، فلا يسري على هذا الاقتراع ما يسري على هيئة الناخبين من أحكام، حيث يتمتع الناخب في هذه الهيئة بحرية واسعة في هذا الاختيار، تأبى التقييد من حيث الملاءمات السياسية أو الروابط العائلية أو الشخصية أو القبلية، التي يخضع لها الناخب في هذا الاختيار.

وإذا كان الباعث أو الهدف أو الغاية التي يتغياها أي قرار إداري، قد يكون من الخفاء، بحيث يتحمل المدعي بتخلفها في دعوى الإلغاء مشقة كبيرة في إثبات تخلفها، إلا أن الأمر على خلاف ذلك في إقصاء قضاء التمييز عن المشاركة في تشكيل المحكمة الدستورية، لأنه واضح للعيان، ذلك أن محمكة التمييز هي الركن الحصين لبنيانها، والأساس المكين لقضائها في صون الدستور، أو في الفصل في الطعون الانتخابية، كمحكمة موضوع، فهي التي تراجع قضاة محكمة الاستئناف- الذين حلوا محلها في تشكيل المحكمة الدستورية- إذا البتس عليهم تفسير النصوص القانونية أو اختلفوا في تفسيرها.

العدالة أشبه بطائر بجناحين

وما كان أغناه المجلس الأعلى للقضاء عن الوقوع في حومة تنكب المصلحة العامة لو التزم بما ألزمته به المحكمة الدستورية من الالتزام بالأقدميات والترتيب، فالعدالة طائر ذو جناحين، جناح العدل، والمتمثل في قضاء الموضوع، الذي يعطي كل ذي حق حقه، والذي يمثله في تشكيل المحكة الدستورية رئيس الاستئناف ورئيس المحكمة الكلية، وجناح القانون والذي لا يستقيم إقرار الحق دونه، والذي يمثله- في هذا التشكيل- محكمة التمييز، وهي المحكمة الوحيدة في النظام القضائي الكويتي التي عهد إليها المشرع بتفسير القانون وتأويله في الطعون المقامة أمامها في أحكام محكمة الاستئناف.

كما كان هذا الالتزام تفرضه طبيعة الأشياء في الاقتراع الأخير على شغل مقعدي رئيس التمييز ونائبه، في رئاسة المحكمة الدستورية، باختيار من يخلفهما في هذين المنصبين في هذه الرئاسة، فحجبهما الاقتراع السري الذي أجراه المجلس الأعلى للقضاء عن عضوية المحكمة أصلاً وأساساً.

التعديل التشريعي واجب

وحتى لا تتحول ساحة المجلس الأعلى للقضاء إلى ساحة نزال أو تنافس بين أعضائه في رئاسة المحكمة الدستورية، بإعلاء البعض مصالحه الشخصية على قيم رفيعة كان يتعين أن تتبوأ مكانها اللائق بها في هذا الاقتراع، من قيم العدل والقانون، وحتى لا يتعرض قرار تشكيل المحكمة الدستورية إلى الطعن عليه بالإلغاء أمام القضاء العادي، صاحب الولاية العامة بإلغاء القرارات الإدارية لتنكب الاقتراع الغاية من اتخاذ القرار، بإقصاء قضاء التمييز من هذا التشكيل، خاصة مع ما ترتب على هذا التشكيل الجديد من تسليط ولاية المحكمة الدستورية عند الفصل في الطعون الانتخابية كمحكمة موضوع على ولاية محكمة القانون الوحيدة في النظام القضائي الكويتي وهي محكمة التمييز، وإهدار ما تتمتع به أحكامها من قوة الأمر المقضي فيه، فلم تعد الأحكام القضائية عنوان الحقيقة، وقد ضاعت الحقيقة بين أعلى محكمتين في البلاد، وضاع استقلال القضاء، وجوهره احترام أحكام القضاء، وصونا لأحكام الدستور، ودرءاً للضرر الذي أصاب الجسم القضائي كله في وحدته وتماسكه وتدرجه.

الرقابة على دستورية القوانين

وقد يصل الأمر بالقضاء العادي صاحب الولاية العامة في النظام القضائي، إلى التصدي للمسائل الدستورية، دون الإحالة إلى المحكمة الدستورية، فيما يراه من نصوص تحمل شبهة مخالفة نص دستوري، كما فعلت محكمة النقض المصرية، عندما برأت متهما عن فعل ثبت ارتكابه له عندما امتنعت عن تطبيق النص التشريعي الذي يجرم هذا الفعل. (انظر مقالنا تعليقا على هذا الحكم المنشور في صحيفة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 17/ 5/ 2008 تحت عنوان «الرقابة على دستورية القوانين إلى أين؟»).

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار» ويتفرع عن هذا الحديث، مبادئ فقهية كثيرة منها: «أن الضرر يزال» و»أن دفع المفاسد أولى من جلب المنفعة»، ولو كانت منفعة عامة، فيكون دفعها من باب أولى وأقوى إذا كانت منفعة خاصة، سوى يفرزها الاقتراع السري على اختيار قضاة المحكمة الدستورية.

تعديل القانون واجب

الأمر الذي يتعين معه على المشرع تعديل المادة (2) من قانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية، ليصبح رئيس محكمة التمييز ونائبه ورئيس محكمة الاستئناف ورئيس المحكمة الكلية أعضاء في المحكمة الدستورية بنص القانون، ولا يخضعون للاقتراع السري في تشكيل المحكمة.

بحيث يستبدل بنص هذه المادة النص التالي:

تؤلف المحكمة الدستورية من:

1- رئيس محكمة التمييز رئيسا.

2- نائب رئيس محكمة التمييز نائبا للرئيس.

3- رئيس محكمة الاستئناف.

4- رئيس المحكمة الكلية.

5- ثلاثة أعضاء يختارهم المجلس الأعلى للقضاء بالاقتراع السري، يكون من بينهم عضوان احتياطيان بحسب ترتيب الأقدمية.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية

المستشار شفيق إمام

back to top