إغفال الطلبات القضائية

نشر في 28-03-2022
آخر تحديث 28-03-2022 | 19:24
د. نزال عقاب الهاجري أستاذ القانون المدني المنتدب لكلية الحقوق جامعة الكويت
د. نزال عقاب الهاجري أستاذ القانون المدني المنتدب لكلية الحقوق جامعة الكويت
تنص المادة 126 من القانون رقم 38 لسنة 1980 بإصدار المرافعات المدنية ‏والتجارية على أنه «إذا أغفلت المحكمة الحكم في بعض الطلبات الموضوعية، جاز ‏لصاحب الشأن أن يعلن خصمه بالحضور أمامها لنظر هذا الطلب والحكم فيه، ويكون ‏ذلك خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً».‏

فمن المقرر وفق أحكام المادة 126 مرافعات، أنه إذا أغفلت المحكمة الفصل في ‏بعض الطلبات الموضوعية التي طلب إليها الفصل فيها إغفالاً كلياً عن سهو منها، بما ‏يجعلها باقية معلقة أمامها دون فصل، فإن علاج ذلك يكون برجوع من أغفل طلبه إلى ‏ذات المحكمة، حتى إن كانت المحكمة المغفلة محكمة التمييز، وذلك عن طريق إعلان ‏خصمه بالحضور أمامها خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً، لتستدرك ما فاتها ‏الفصل فيه لا الطعن في حكمها، لأن الطعن لا يقبل إلا عن الطلبات التي فصل فيها، منعاً ‏للإخلال بمبدأ التقاضي على درجتين، وهو مبدأ أساسي من مبادئ النظام القضائي متعلق ‏بالنظام العام لا تجوز مخالفته. أما إذا كان المستفاد من أسباب الحكم أو منطوقه أنها ‏قضت صراحة أو ضمناً برفض الطلب، فإن وسيلة التظلم من ذلك تكون بالطعن في الحكم ‏بالطريق المناسب.‏

وإذ كان ذلك، وكان انتظار بيتوتة الحكم إذا كان المشرّع يقصد به بيتوتة الحكم ‏القاضي بالطلبات الموضوعية قد يفوت على الخصم المغفل طلبه سقوط أو تقادم حقه، ‏فحجية الأحكام مقصورة على ما فصلت فيه من طلبات، ولا تمتد إلى الطلبات المغفلة، ‏فالثابت من مساق الواقع أن انتظار مدة صيرورة الحكم باتاً قد تطول لسنوات عديدة، لاسيما إذا كانت بيتوتة الحكم تقتضي صدور حكم من محكمة التمييز إذا ما امتد الطعن ‏إليها.‏

فإن ما يقتضيه البيان أن تطبيق نص المادة 126 من قانون المرافعات قد تعارضت ‏بشأنه أحكام محكمة التمييز، نتيجة للاختلاف حول تفسير بدء تاريخ الرجوع للمحكمة ‏للفصل في الطلبات المغفلة خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً، هل هو من تاريخ ‏صدور الحكم المغفل للطلبات، أم من تاريخ الفصل البات في الطلبات المقضي بها؟

فقد أدى تعبير آخر نصّ المادة 126 مرافعات، بأن يكون رجوع من أغفلت المحكمة ‏الفصل في طلباته الموضوعية لها خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً إلى اختلاف ‏الأحكام القضائية في تأويل هذا القيد الزمني، لعدم وضوح المراد منه لغموضه، فمن تلك ‏الأحكام من جعل ذلك القيد مانعاً يحول دون الرجوع إلى المحكمة التي أغفلت الطلبات إلا ‏بعد مضي ستة أشهر من تاريخ صيرورة الحكم باتاً، فإذا تقدم صاحب الشأن قبل ذلك ‏قضي بعدم قبول طلبه. (طعن تمييز رقم 825/ 2004، تجاري، جلسة 2/ 4/ 2005، ‏مجموعة القواعد القانونية، القسم الخامس، المجلد الثامن، 2009، ص313). ‏والبعض الآخر من تلك الأحكام ذهب إلى خلافه، وجعل هذا الميعاد ظرفاً زمنياً ناقصاً يتعين ‏إجراء الإعلان خلاله كحد أقصى، بحيث يسقط الحق في مباشرته بعد انقضاء هذا الأجل. ‏‏(طعن تمييز رقم 491/ 2007، تجاري، جلسة 7/ 4/ 2009، مجلة القضاء والقانون، ‏السنة 37، الجزء الثاني، 2012، ص34).‏

وإذ كان ذلك، وكان من المقرر أن الأحكام لا تبنى إلا على اليقين لا على ما يقبل ‏الظن أو التأويل، وهو ما يتنزه عنه الحكم القضائي، فالتأويل القانوني هو مما تتفرق فيه ‏أوجه الرأي، وتختلف فيه وجهات النظر مما لا يمكن معه القطع بأي الآراء أصح أو على ‏الأقل الأرجح قبولاً، وأنه قد يحدث عن طريق التأويل استحداث حكم مغاير لم يأتِ به ‏النص.‏

وكانت الأحكام القضائية قد تناقضت بشأن تفسير تطبيق نص المادة 126 مرافعات ‏فيما يتعلق بالقيد الزمني المتطلب للرجوع إلى المحكمة التي أغفلت الفصل في الطلب، إذ ‏لم تدرك تلك الأحكام الهدف الذي يرمي إليه النص.‏

لذلك نتطلع بعين الأمل لتدخل المشرّع لإعفاء القاضي من مؤنة البحث عن القصد ‏من وراء القيد الزمني الوارد في هذا النص الإجرائي، من خلال تعديله بما يراه مناسباً ‏لإزالة ما اكتنفه من غموض أدى لما سالف بيانه من تعارض الأحكام، وفي ذلك التعديل ‏المأمول تيسير لعمل القاضي، وضمانة لحقوق المتخاصمين، مع تحديد موعد لسقوط ‏خصومة الطلب المغفل إذا لم يتخذ الإجراء خلاله.‏

back to top