قد نغض النظر لكن من الصعب غض البصر

نشر في 04-01-2022
آخر تحديث 04-01-2022 | 00:08
 أ. د. فيصل الشريفي اللغة العربية جميلة وغنية وفيها من المفردات ما يجعلك تبحث في القواميس لتتعرف على معنى المفردة رغم بساطتها وكثرة استخدامها، وقد اخترت لكم كلمتي (النظر) و(البصر)، فتعني الأولى النظر بالعين المجردة بهدف التعرف على الأشياء المادية الظاهرة، وتعني في بعض الأحيان التدبر، أما الكلمة الثانية فتدل على الإمعان وحسن التفكير.

أذكر لكم حديثاً دار مع بعض الأصدقاء حول تدارس الأوضاع التي يمر بها مجتمعنا، واستعراض مسيرة الديموقراطية في الكويت الحبيبة منذ بداية استقلالها، وهل استطاعت النخب السياسية والاجتماعية التأثير بشكل إيجابي على تلك المسيرة الطويلة أم أنهم أخفقوا في ذلك المطلب؟

الحقيقة الصادمة التي أجمع عليها الحضور أن حركة الإصلاح، على كل المستويات، في تراجع كبير، وأن ما نشهده من مساهمات شعبية منظمة أو غير منظمة انحسرت بشكل كبير، فكل مساعي الإصلاح قد لا تساوي شيئاً أمام المصالح الشخصية التي طغت على تلك المساهمات، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة.

نردد دائما أن إصلاح الحال يبدأ من الإصلاح السياسي والإداري كونهما الركائز الأساسية في قيادة بقية مسارات الإصلاح، لكن وبمراجعة سريعة نصل إلى نتيجة واحدة بأن الفساد قد ضرب الأول، وسحب الثاني معه، وأن المواطن والنخب السياسية والاجتماعية قد اكتفت بالمشاهدة فقط لا غير.

هناك خلل في منظومتنا السياسية بحيث اختلط علينا النابل بالحابل، ولم يعد بإمكان المتابع فك شفرة المصلح من الفاسد، فكل طرف لديه ما يكفي من الأوراق لبهتان الطرف المقابل، والحديث عن الإصلاح بمنزلة حلم، ومن يحلم فعليه التمعن بالواقع، وأن ينظر إلى السير الذاتية لبعض الوزراء قبل القياديين، ولبعض النواب قبل المواطنين، فمنهم خريجو جامعات تجارية ومنهم جامعاتهم ليس لها تصنيف، وبعضها سحب الاعتراف منها.

فعن أي حديث للإصلاح نتكلم ما دام مثل هؤلاء يتصدرون المشهد السياسي والإداري، وما دام مثل هؤلاء على سدة العمل السياسي والإداري، ففاقد الشيء لا يعطيه.

في النهاية، سامح الله اللغة العربية وما فيها من مفردات، فقد حاولت غض النظر عن بعض الممارسات، لكني لم أستطع غض البصر عن حالة التردي السياسي والإداري الذي نعيش فيه، سأترككم مع هذه الأبيات المتفائلة لعل الرسالة تصل عن طريق الشعر، يقول الطغرائي:

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

ويقول إيليا أبو ماضي:

أيها الشاكي وما بك داء

كن جميلا تر الوجود جميلا

ويقول المتنبي:

لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِث

ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ

فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ

وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ

ودمتم سالمين.

● أ. د. فيصل الشريفي

back to top