اليوم العالمي للتسامح... والفجوة بين سقف التشريع والتطبيق (1-3)

نشر في 14-11-2021
آخر تحديث 14-11-2021 | 00:09
 المستشار شفيق إمام يصادف بعد غد تحديداً يوم 16 نوفمبر من كل عام الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوماً عالمياً للتسامح وتقريرها جائزة لتعزيز روح التسامح واللا عنف، وقد حددت الأمم المتحدة معنى التسامح بأنه القبول بالآخر واحترام التنوع الثري للثقافات، والذي يتعزز بالمعرفة والانفتاح والحوار والتواصل مع الآخر.

وللأمم المتحدة تاريخ طويل في جرائم ازدراء الأديان، بقرارها الذي أصدرته في عام 2005 بمنع ازدراء الأديان، كما أصدرت مفوضية حقوق الإنسان في عام 1999 قراراً بتجريم إهانة الأديان، وفي مارس 2008 أصدر مجلس حقوق الإنسان قرارا يطالب الدول بمنع ممارسة ازدراء الأديان، وينص على منع وسائل الإعلام من بث ما يدعو إلى الكراهية والعنف ضد الإسلام والمسلمين، أو أي عقيدة أخرى، وهنا تبدو الفجوة الكبيرة بين سقف هذه التشريعات وبين التطبيق، حيث لا يكتمل الحد من الكراهية ووجوب احترام الأديان، إلا إذا التزمت بها جميع الدول.

الصهيونية حركة عنصرية

وهو القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من نوفمبر 1975، الذي اعتبرت فيه الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، بأغلبية 72 صوتاً، ورفض 35 وامتناع 32 عن التصويت إلا أن الولايات المتحدة الأميركية استطاعت في السادس من عشر من ديسمبر سنة 1991 أن تستصدر قرارا جديداً من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإلغاء القرار السابق، بموافقة 25 دولة ورفض 25 دولة، وامتناع 13 عن التصويت.

إلا أن إلغاء القرار السابق لم يكن ليغير من الطبيعة العدوانية لإسرائيل أو من العقيدة الصهيونية التي تقوم على التمييز العنصري، وهي لا تألو وأميركا جهدا في الاعتراف بها كدولة يهودية، ولا تزال الآلة الإسرائيلية تحصد كل يوم وكل ساعة أرواح الفلسطينيين، وتصادر أراضيهم وممتلكاتهم، وتشرد أسراً بأكملها بعد هدم بيوتها والاستيلاء عليها لأغراض الاستيطان الإسرائيلي، فضلا عن اعتقال الآلاف من الفلسطينيين، في سجون تحت الأرض يعانون فيها أبشع أنواع التعذيب والتنكيل وإهدار آدمية الإنسان، تحت سمع وبصر الأمم المتحدة والدول العظمى ومنها أميركا التي تكتفي بالتزام الطرفين ضبط النفس.

ويقف وزير خارجية إسرائيل في اجتماع مجلس الأمن وهو يلقي كلمته ليمزق تقريراً يدين الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ويعلن في صلف وكبرياء وغرور بأن مكان هذا التقرير هو سلة مهملات السامية، غير عابئ بأنه يتحدث في مقر الأمم المتحدة ذاتها، التي انبثق من إحدى منظماتها هذا التقرير.

فالسامية في حمى الدول العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتحميها بتشريعاتها، ومنها التشريع الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 2004

Global Anti-Semitism وهو القانون الذي يحمي إسرائيل الدولة من أي نقد أو رأي يندد بأعمالها العنصرية والبربرية، ويجرم كل ذلك ولو وقع خارج الحدود الإقليمية للولايات المتحدة الأميركية.

وكانت فرنسا قد سبقت أميركا في ذلك وأصدرت قانون غاير فابيوس في 13 يوليو 1990 يقضي بتجريم أفكار وجود أو حجم الجرائم التي ارتكبت في حق اليهود أثناء الحكم النازي والمحرقة اليهودية، وهو قانون يصادر حرية الرأي في فرنسا، وقد قدم المفكر الفرنسي روجيه جارودي إلى المحاكمة، لوقوعه تحت طائلة هذا القانون في كتابة "الأساطير المؤسسة لإسرائيل" والذي أنكر فيه وجود هذه المحرقة أصلا، وأدانته محكمة فرنسية عام 1998 بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ.

الإسلام فوبيا

إننا في حاجة إلى وضع هذه الاستراتيجية، لمواجهة جائحة الخوف من الإسلام، باضطهاد المسلمين وقمعهم والتنكيل بهم والتطهير العرقي لهم في أنحاء كثيرة من العالم، وقد كشف بحث اجتماعي صادر من جامعة كاليفورنيا عن أن أكثر من ثلثي المسلمين في أميركا يتعرضون للكراهية، ولاعتداءات عنصرية كما كشف أحد المواقع الهندية عن أن 90% من ضحايا جرائم الكراهية في الهند من المسلمين، ولا تدين الحكومة في الهند اعتداءات الهندوس على المسلمين الذي أصبح شائعا في كل الولايات التي فيها أقلية مسلمة، ولا تلاحق الشرطة المدنيين، ولا يحاكمون على جرائمهم.

يحدث هذا في الهند التي كانت مثلا للتعايش بين مختلف الديانات والقوميات، وتجرى الإبادة العرقية للمسلمين في ميانمار، على يد أجهزة الأمن في الدولة، وتحاصر الشرطة البوذية أحياء المسلمين، لتتيح للطائفة البوذية إبادتهم، وفي الصين يجري قمع "المسلمين من طائفة "الإيغور" ذات الأغلبية المسلمة، الذين يتعرضون لحملة تنظمها الدولة من الانتهاكات العرقية، التي تشمل السجن الجماعي والتعذيب والاضطهاد وهي جرائم ضد الإنسانية.

استراتيجية لمجابهة الكراهية

ولا يبقى من يوم التسامح العالمي بعد هذه الفجوة بين سقف التشريع ومستوى التطبيق إلا تذكيرنا بمسؤولياتنا في وضع استراتيجية عربية وإسلامية بنشر ثقافة التسامح مع الآخر أيا كان جنسه أو أصله أو دينه أو لونه أو رأيه.

استراتيجية متكاملة قادرة على مجابهة العنصرية بكل أشكالها وتنوعاتها داخل التكوينات الاجتماعية لمجتمعاتنا، أو دفاعا عن قضايانا العربية وعن العقيدة الإسلامية التي جرى تشويهها في الإعلام العربي، لسد فجوة أخرى بين تشريعاتنا الوطنية وبين مستوى التطبيق، والتي سنتناولها في المقال القادم بإذن الله، إن كان في العمر بقية.

المستشار شفيق إمام

back to top