الديموقراطية المُحرّفة

نشر في 27-10-2021
آخر تحديث 27-10-2021 | 00:10
 جيمس زغبي لن أجادل في الفكرة الكثيرة التداول التي مفادها أن الديموقراطية هي أفضل أشكال الحكم، بل سأشير ببساطة إلى ملاحظة مفادها أن الممارسة الحالية للديموقراطية في الولايات المتحدة وإسرائيل تختبر حكمتها، وفي كلا المجتمعين حُرّفت الديموقراطية وأصبحت ترقى الآن إلى القيام بكل ما في الوسع من أجل البقاء في المنصب أو إبقاء شخص آخر خارج المنصب، وما ضاع هو المبادئ والسياسات السليمة التي تخدم احتياجات الناس وتحقق العدالة والأمن، فقبل أربعين عاماً، أخبرت عضواً في الكونغرس وصديقاً عن مدى انزعاجي من تصويت زملائه على الدعم المطلق لإسرائيل حتى تتابع السياسات التي لا تتحدى القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان فحسب بل تتحدى سياسة الولايات المتحدة أيضاً.

كنت أعرف أن الممارسات الإسرائيلية كانت تثير قلق بعض هؤلاء الأعضاء، وكانوا يقولون: «معك حقاً، لكنك تعرف كيفية سير الأمور. أنا أترشح لإعادة انتخابي ولا يمكنني المخاطرة باتخاذ موقف بشأن هذه القضية الآن». سألت صديقي: «أين مبادئهم واكتراثهم بالمصلحة الوطنية؟!» فأجاب: «زغبي، ما لا تفهمه هو أنه منذ يوم انتخابهم، أصبح شاغل زملائي الأساسي وتعريفهم للمصلحة الوطنية مرادفاً لإعادة انتخابهم». لقد ذهبت عني سذاجتي منذ زمن بعيد، صحيح أن هناك أعضاء أصحاب مبادئ في الكونغرس يتجشمون المخاطر للقيام بما هو صائب، لكن الأغلبية الساحقة لن تفعل هذا، لقد تلوثت المياه بسبب الاستقطاب الحزبي الشديد والملايين التي تُجمع للحملات الانتخابية لمقاعد الكونغرس وجماعات «المال المظلم»، وهذا جعل سياستنا صورة كاريكاتورية شديدة البشاعة للديموقراطية.

وتمخض هذا عن كونغرس مصاب بعدم قدرة على الحركة ولا يستطيع، أو لا يريد، إقرار تشريعات لإنقاذ الأرواح من الأمراض أو الأسلحة النارية أو لحماية البيئة أو حتى لحماية حق التصويت، وبدلاً من الدفاع عن مصالح الجمهور الأميركي، ينطلق عدد كبير جداً من أعضاء الكونغرس في التصويت على أساس ما يضر خصومهم ويجمع الأموال ويسترضي جماعات الضغط القادرة على ضخ نفقات ضخمة إما لصالح إعادة انتخابهم أو ضدها، واستمرار جاذبية الرئيس السابق دونالد ترامب من الأمور التي تزيد الطين بلة، فما زال ثلثا الناخبين «الجمهوريين» يصدقون إصرار ترامب على أنه فاز في انتخابات 2020، ويخوض عدد كبير جداً من الجمهوريين حملات تهدف إلى كسب دعم ترامب وقاعدته من خلال محاكاة جهوده للتقليل من شأن أي انتخابات لا يفوز هو أو هم بها.

باختصار، الديموقراطية الأميركية في خطر، وفي الجانب الآخر، أي في إسرائيل نجد الحكومة الائتلافية التي أطاحت ببنيامين نتنياهو جرى الاحتفاء بها باعتبارها تجلياً ديموقراطياً وحّد التيارات السياسية المتنوعة في إسرائيل، لكن المبدأ الوحيد الذي جمع هذا التحالف هو إبعاد نتنياهو عن السلطة، وفي الحكومة الائتلافية التي تمسك السلطة بأدنى أغلبية، لطالما شعر الأعضاء العرب و«اليساريون» بالحرج من التصويت «القسري» لحماية «ائتلافهم».

لقد طُلب منهم الاعتراض على تشريع اقترحه حلفاء نتنياهو يطالب بدراسة اللغة العربية في المدارس الابتدائية، وطُلب منهم تأييد مشروع قانون يميني مشترك بين أعضاء الائتلاف يمدد «قانون المواطنة» التمييزي في إسرائيل، وطلب منهم أيضاً معارضة مشروعات قوانين من منافسين عرب من خارج الائتلاف للتحقيق في فشل الشرطة في مكافحة عصابات الجريمة المنظمة العربية.

أختتم المقال بما بدأته به، أي بملاحظة أنه حين تصبح الديموقراطية هي القيام بكل ما في الوسع للبقاء في المنصب أو لإبعاد شخص ما عنه، تضيع السياسات السليمة التي تخدم احتياجات الناس والعدالة والأمن.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.

● جيمس زغبي

back to top