إلى روح أبي هيثم

نشر في 20-10-2021
آخر تحديث 20-10-2021 | 00:08
 د. عبدالمحسن حمادة منذ أيام انتقل من عالمنا الزميل الغالي والوطني الشريف الأخ فيصل الحجي بوخضور، فمنذ بداية شبابه التحق بحركة القوميين العرب، وكان عضواً فعالاً فيها، وكان للحركة نشاط ملحوظ في المجتمع منذ منتصف الخمسينيات في القرن العشرين، وشاركت في تأسيس كثير من جمعيات النفع العام منها جمعية الخريجين واتحاد الطلبة الجامعيين، وترأس أبو هيثم اتحاد الطلبة أثناء دراسته الجامعية في القاهرة، والتحق بعد تخرجه بجمعية الخريجين وأصبح رئيساً لها، وكان أثناء ترؤسه للجمعية عضواً فعالاً، يشارك قي أعمال اللجان ويبدي آراءه القيمة لكل ما يدور من أنشطة.

أذكر في أحد الأيام أن اللجنة الثقافية في الجمعية اختارت موضوعاً لإحدى ندواتها عن الديموقراطية في الكويت، وكان المتحدث على ما أذكر المرحومين جاسم القطامي وخالد المسعود، وطلب مني إدارة الندوة، وكان الحضور في تلك الليلة كبيراً والقاعة كانت مزدحمة، وأثار المحاضران نقاطا مهمة وحساسة ومشكلات تتعلق بالديموقرطية الكويتية، وبعد أن أنهى المحاضران كلامهما، سألت الحضور إن كان أحد عنده تعليق أو أسئلة على الندوة، ولما لم أر أحداً يطلب النقاش شكرت المحاضرين والجمهور وأنهيت الندوة.

ودعا المرحوم أبو هيثم اللجنة الثقافية لاجتماع لتقييم الندوة، وفي التقييم أثنى على الندوة، ومن جهة أخرى انتقد قفل باب المناقشة بدون إعطاء جمهور الحضور فرصة كافية للتفكير وإثارة الأسئلة، فمن وجهة نظره كان النقاش سيثري الندوة، وأيد غالبية أعضاء اللجنة رأي أبي هيثم، واعتذرت عن ذلك الخطأ.

لعل هذه الأمثلة توضح لنا شخصية أبي هيثم، من حيث إنه عندما يتقلد منصباً فإنه يحرص كل الحرص على أن يؤديه على أحسن وجه، ويجب أن يتقنه، وإذا كان هذا الحرص الذي يبذله في نشاطه الاجتماعي، فبكل تأكيد فإن حرصه على أداء عمله الوظيفي سيكون أكثر، ولقد أثبت كفاءته في عمله الوظيفي، وتمت ترقيته إلى سفير ثم إلى وزير، وأثبت جدارة وإخلاصا في خدمة وطنه وحبه للعمل.

رحمك الله يا أبا هيثم، فهذه حال الحياة لا دائم فيها غير وجه الله، فسبحان من كتب لنفسه الدوام ولعباده الفناء، فقال سبحانه: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"، وقال أيضاً: "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فنحن- بني البشر- نأتي إلى الحياة ونخرج منها بلا إرادتنا بل بأمر الله، كما يقول رامي في ترجمته للرباعيات:

لبست ثوب العيش لم أستشر

وحرت فيه بين شتى الفكر

وسوف أنضو الثوب عني ولم

أدرك لماذا جئت أين المفر

رحمك الله يا أبا هيثم وأسكنك فسيح جناته، وأعطاك منزلة أعلى من منزلتك في هذه الحياة، فقد عانيت من مرضك وصبرت بشجاعة.

د. عبد المحسن حمادة

back to top