انتخابات العراق: مفاجآت... والصدر الفائز الأكبر

• «الفصائل» تخسر نصف مقاعدها والمستقلون يحققون مكاسب رغم المقاطعة
• نسبة المشاركة 41% وبغداد الأدنى
هل معضلة «الكتلة الأكبر» أصبحت من الماضي؟

نشر في 12-10-2021
آخر تحديث 12-10-2021 | 00:05
أنصار الصدر يحتفلون في مدينة النجف الأشرف أمس الأول (أ ف ب)
أنصار الصدر يحتفلون في مدينة النجف الأشرف أمس الأول (أ ف ب)
رغم المقاطعة الشبابية غير المسبوقة للانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، كشفت النتائج الأولية عن مفاجآت بالجملة، خصوصاً لمصلحة التيار الصدري، الذي يسعى للتفرد باختيار رئيس الحكومة الجديد، على حساب خصوم سعوا لزيادة تمثيلهم البرلماني، أبرزهم «الفتح» بقيادة هادي العامري.
سجلت الانتخابات التشريعية الخامسة في العراق نسبة مقاطعة غير مسبوقة، منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وبالكاد حفّزت الناخبين الغاضبين من الفساد المزمن والخدمات العامة المتردية ونظام سياسي يعتبرونه غير قادر على تحسين ظروف حياتهم.

وبعد إعلانها أن نسبة التصويت الأولية بلغت 41%، عرضت المفوضية العليا للانتخابات، أمس، النتائج الأولية لـ10 محافظات هي ديالى والديوانية والمثنى وميسان وواسط ودهوك وصلاح الدين وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف وأربيل.

وقال رئيس مجلس المفوضين جليل عدنان، في مؤتمر صحافي، إن "الإعلان يتم عبر شاشات عرض وضمن الموقع الإلكتروني للمفوضية"، الذي توقف عن العمل لأسباب مجهولة، مبيناً أن "النتائج الأولية تعتمد على ما وصل من بيانات عبر الوسط الناقل وعصا الذاكرة، والصناديق التي حصل بها بعض المشاكل سوف تنقل صباح (اليوم) للمكتب الوطني".

وفي وقت سابق، أعلنت المفوضية أنَّ عدد المصوتين بلغ نحو 9 ملايين و77 ألف صوت، بنسبة بلغت 41%، مشيرةً إلى أن "عدد الشكاوى للتصويت الخاص (16) شكوى، فيما بلغ عدد الشكاوى للتصويت العام (58) شكوى".

وعن نسبة التصويت في المحافظات، فقد جاءت كما يلي: (البصرة 40%، ميسان 43%، القادسية 42%، ذي قار 42%، النجف 41%، المثنى 44%، بغداد- الرصافة 31%، بغداد- الكرخ 34%، كربلاء 44%، بابل 46%، ديالى 46%، الأنبار 43%، واسط 44%، دهوك 54%، أربيل 46%، السليمانية 37%، صلاح الدين 48%، كركوك 44%، نينوى 42%).

صعود مفاجئ

وفي خطوة مفاجئة، رفع التيار الصدري، الذي يملك الكتلة الأكبر في البرلمان الحالي، عدد مقاعده بشكل كبير من 54 مقعداً في انتخابات 2018 إلى 80 في البرلمان الجديد، ليقترب زعيمه مقتدى الصدر، الذي اعتبر أن "الانتخابات ناجحة من الناحيتين الأمنية والمهنية"، من تحقيق نتائج تتيح له التفرّد باختيار رئيس للحكومة.

وأكد مدير مكتب زعيم "التيار الصدري"، إبراهيم الجابر، أن كتلة تحالف "سائرون" المدعوم "فازت بـ80 مقعداً" من أصل 329. وفي حال فوزه، سيظلّ على التيار الصدري التعامل مع خصومه الأبرز، الفصائل الموالية لإيران الساعية إلى زيادة تمثيلها في البرلمان، الذي دخلته للمرة الأولى عام 2018، مدفوعةً بانتصاراتها ضد تنظيم "داعش".

وفي مفاجأة من العيار الثقيل، خسر تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري نحو 20 مقعداً، من أصل 43 في برلمان 2018، في تراجع لافت لأكبر كتلة موالية لإيران.

وفي حين سجلت بغداد أدنى نسبة مشاركة على مستوى المحافظات، أشارت التقديرات إلى حصول ائتلاف "دولة القانون" على نحو 23 مقعداً، واحتل المركز الأول على نطاق العاصمة بحسب النائبة عالية نصيف.

وفي سياق المفاجآت، تمكن المرشحون المستقلون ومعظمهم من قيادات الحراك الشعبي والأحزاب المنبثقة عن تظاهرات 2019 المناهضة للفساد وتراجع الخدمات العامة والتدهور الاقتصادي، من انتزاع نحو 20 مقعداً على حساب قوى وشخصيات مؤثرة.

وبعد إغلاق الصناديق، خرج العشرات من مؤيدي تظاهرات 2019 والمشاركين فيها، إلى ساحة الحبوبي في الناصرية، مركز محافظة ذي قار، احتفالاً بتحقيق نتائج جيدة لحركة "امتداد"، التي اعتبر رئيسها علاء الركابي أن ما حصل بداية لعراق جديد، وإنهاء لحقبة ماضية.

الحلبوسي والخنجر

وبينما شهدت القوى الشيعية في وسط وجنوب العراق تنافساً شديداً، كانت النتائج واضحة حتى الآن، بالنسبة للقوى السنية، وبدا مؤكداً فوز حزب "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بفارق كبير عن منافسه الرئيسي زعيم تحالف "عزم" رجل الأعمال خميس الخنجر.

وفي حين حددت النتائج، بدرجة ما، ملامح الذين سيتوجب عليهم الاستعداد لتأدية اليمين الدستورية كنواب جدد، اكتسح "تقدم" الدائرة الانتخابية الأولى في الأنبار يليه أعضاء حزبه المترشحين معه.

وفي الرمادي، مركز المحافظة، أظهرت النتائج حصول "تقدم" على المراتب الثلاث الأولى، وغالبية الأصوات في الدائرة الانتخابية الأولى والثانية في كركوك، بالإضافة إلى 3 مقاعد الأقل بديالى.

وفي البصرة وكربلاء، ومدن أخرى، يشتد تنافس القوى الشيعية التقليدية، وما ظهر من النتائج الأولية لا يشي بتحقيق جهة بذاتها تقدماً على الأخرى، في حين حقق مرشحو التحالفات والحركات القريبة من الحشد الشعبي أصواتا عديدة.

وخلال الليل، احتفل أنصار مرشحين بفوزهم، لا سيما في بغداد والناصرية في الجنوب، في حين رحّب آخرون بنتائج أحزاب كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويتوقع خبراء أن تحافظ الكتل السياسية الكبرى على هيمنتها على المشهد السياسي، بعد هذه الانتخابات التي اختار ناشطون وأحزاب منبثقة عن التظاهرات مقاطعتها، معتبرين أنها تجري في مناخ غير ديموقراطي.

انقسام ونفوذ

وبذلك، سيصبح البرلمان بدون أغلبية واضحة، ويبقى المشهد السياسي في العراق منقسماً بشأن العديد من الملفات، انطلاقا من وجود القوات الأميركية وصولا إلى النفوذ المتزايد للجارة إيران. ولذا، لابد لكافة التكتلات السياسية من الاتفاق على اسم رئيس للحكومة يحظى أيضاً بمباركة ضمنية من طهران وواشنطن، لكن ذلك قد يتطلب وقتاً طويلاً، ما قد يؤخر الاتفاق على اسم لرئيس وزراء جديد، علما بأن العرف يقتضي بأن تتولى المنصب شخصية شيعية.

وقال الصدر في بيان "إن ما يميز هذه الانتخابات انها جرت تحت غطاء وإشراف أممي ودولي وعربي، وقد تم إقرارها منهم، وعليه فلا ينبغي التدخل بقرارات المفوضية أو تزايد الضغط عليها لا من الداخل ولا من بعض الدول الإقليمية والدولية، فالانتخابات شأن داخلي، وليكن واضحاً للجميع اننا نتابع بدقة كل التدخلات الداخلية غير القانوينة، وكذا الخارجية التي تخدش هيبة العراق واستقلاليته".

واعتبر ائتلاف الوطنية بقيادة أياد علاوي العزوف الجماهيري عن لانتخابات دليلا على "فشل النظام السياسي"، مطالباً الحكومة والمفوضية بتهيئة الأجواء المناسبة لإجراء العملية الانتخابية بشفافية ونزاهة.

ورغم التراجع المفاجئ لحلفائها، رحبت إيران بنجاح الانتخابات العراقية، التي شهدها على أرض الواقع قائد فيلق القدس إسماعيل قآني، معتبرة أنها استمرار للعملية الديموقراطية.

وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: "العراق يسير على الطريق الصحيح نحو الديموقراطية"، مضيفاً: "علاقاتنا مع العراق ممتازة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، وربما أهم مشكلة نواجهها هي عدم دفع مستحقاتنا من الطرف، وهذا ما نركز عليه".

نائب البغدادي

أمنياً، ألقت المخابرات العراقية القبض في تركيا على سامي جاسم الجبوري، "مشرف المال" في تنظيم "داعش" ونائب زعيمه السابق أبوبكر البغدادي، والذي أعلنت واشنطن "إرهابياً عالمياً" وحددت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه.

هل معضلة «الكتلة الأكبر» أصبحت من الماضي؟

بعد مضي 11 عاماً على حرمان علاوي من رئاسة الحكومة

لن يواجه العراقيون بعد الانتخابات التي جرت أمس الأول معضلة "الكتلة الأكبر"، التي كانت تبرز عند كل انتخابات، وأدت التفسيرات المتناقضة لها الى حرمان إياد علاوي من رئاسة الحكومة، رغم فوز تحالفه بأكبر عدد من النواب في انتخابات 2010، بحصوله على 91 مقعدا، في حين حصلت قائمة "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي على 89 مقعداً، لكن كلّف المالكي بتشكيل حكومة بعد تحالفه مع قوى شيعية مختلفة، وشكّل "التحالف الوطني" الذي جمع نحو 140 نائباً، مستنداً الى تفسير المحكمة الاتحادية للدستور، التي اعتبرت أن "الكتلة الاكبر" هي أكبر كتلة تشكّل داخل البرلمان، وليس بالضرورة الفائزة في الاقتراع.

لكن تم حسم هذه العقدة في قانون الانتخابات لعام 2020، والذي سيمنح حق تكليف رئيس وزراء إلى الكتلة التي ستعلن المفوضية فوزها بأعلى عدد من المقاعد، وسيكون على الأخيرة إبرام تحالفات لضمان تصويت الأغلبية المطلقة بالنسبة للحاضرين في جلسة تمرير الحكومة، كالحصول على أصوات 151 فيما لو كان الحضور 300 نائب في الجلسة.

وبحسب إحاطة قدّمها الخبير القانوني طارق حرب، فإن رئيس الجمهورية الجديد يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوماً. وأضاف: "خلافاً للدورات السابقة، فقد قطعت المادة 45 من قانون الانتخابات الحالي 9 لسنة 2020 الجدل، وقررت منع انتقال النواب قبل تشكيل الحكومة، وذلك يعني أن الكتله النيابية الأكثر عدداً هي من تحصل على هذا العدد، كما أعلنت مفوضية الانتخابات وصادقت المحكمة العليا، وليس الكتلة التي تتكون في مجلس النواب، لأن المادة 45 تمنع الانتقال بين النواب، ثم تبدأ الائتلافات لتحقيق الأغلبيه المطلوبة للتصويت".

واضاف أن "الأغلبية المطلوبة للموافقة على مجلس الوزراء الجديد هي الأغلبية المطلقة من عدد الحاضرين من النواب، فإذا كان عدد النواب الحاضرين 300 نائب، فإنّ موافقة 151 كافية لرئيس الوزراء والوزراء".

الصدر يتحدث عن ضغوط على مفوضية الانتخابات وتدخلات إقليمية تخدش هيبة العراق
back to top