«وإنك لعلى خلق عظيم» (4) المهموم بشؤون المسلمين

نشر في 04-10-2021
آخر تحديث 04-10-2021 | 00:07
 د. عبدالحميد الأنصاري لا يمكن بالنسبة إلى من وصف بالخلق العظيم، ومن كان في شغل دائم بأعباء الرسالة، وفي همّ مقيم بتدبير أمور أمته، قبول مرويات تصوره مولعاً بالنساء، تقع عينه على امرأة مارة فتتحرك مشاعره "مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك افعلوا" لأن "المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه"، هذا بعيد عن أخلاقيات رسولنا عليه الصلاة والسلام، فضلاً عن أنه مستنكر صدوره عن أحدنا في العرف الاجتماعي.

لا تقبل أيها المسلم هذه المرويات على رسولك وإن جاءت في الصحاح، ومهما حاول الشراح التماس تأويلات متعسفة له بهدف تمريره، لا يمكن قبولها لأنها لا تنسجم وطبيعة رسولنا، أعف الناس بصراً، لا أقبل مروية تسيء إلى صورة رسولنا ولو وردت في الصحاح، ماذا يعني ذلك؟

إذا كان الرسول المحصن بإحدى عشرة امرأة، لم يتمالك نفسه لمجرد رؤية امرأة في الطريق، فماذا نقول بالنسبة للشاب المراهق غير المحصن؟! هذا حديث لا يقبله أي عقل سوي، اضرب عنه صفحاً، فرسولنا أسمى وأجل.

ثم إن هذا الحديث مخالف للواقع التاريخي لحال النساء في المدينة، فهل يعقل أن النساء كن يسرن في الطرقات يظهرن مواطن الفتنة والغواية فيهن؟! لماذا لم يأمر الرسول تلك المرأة بالحشمة؟ وكيف تأثر الرسول وحده ولم يتأثر بقية الصحابة حوله؟ وهل يعقل أن يصف رسولنا المرأة بأنها تقبل بصورة شيطان لمجرد رؤيته امرأة حركت مشاعره؟ ما ذنبها؟ وكيف يعمم الحكم على جنس النساء؟ إضافة إلى أن هذا الحديث المسيء يناقض تماما طبيعة الرسول أخلاقياته وسلوكه، فما كان الرسول مولعاً بالنساء حتى قبل مبتعثه، بل الثابت أن الرسول كان عفيفاً لا تشغله هذه الأمور التي كانت تشغل بقية الشباب أبناء جيله.

لو كان مولعاً بالنساء لما تزوج وهو شاب عمره 25 عاماً من تكبره 15عاماً، ويظل وفيا لها، يذكرها إلى انتقاله إلى جوار ربه! لو كان مولعاً بالنساء لما ظل ممتنعاً عن الزواج بأخرى، بعد أن فارقته خديجة وأصبح وحيداً، وما استجاب إلا عندما حثه من حوله، تدبيراً لشؤون بيته ورعاية لبناته، وعندما تزوج اختار امرأة مسنة، أرملة هي سودة بنت زمعة! هل هذا شأن المولع بالنساء؟

شخصية مهمومة بشؤون المسلمين، وعنده من النساء من تملأ عينيه، وقد وصف بالخلق العظيم، فهل يستقيم وهذه الشخصية أن ننسب إليها ما لا ينسجم وطبيعتها؟

إذا أردت أن تعرف صحة نسبة حدث ما إلى شخصية عامة، فاسأل نفسك أولاً: هل هذا مما يستقيم والأخلاقيات المعروفة عن هذه الشخصية، ودعك من شراح الحديث ولو أفتاك وأفتوك، وما قلته آنفاً أقوله عن حديث آخر يصور رسولنا عليه الصلاة والسلام أنه أوتي قوة جنسية خارقة تمكنه من الطواف على نسائه في ساعة واحدة ليلاً ونهاراً. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قلت لأنس: أوكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين". أي أعطي قوة جنسية تعادل قوة ثلاثين رجلاً في الجماع!

هذه رواية لا يمكن قبولها، لأن التسليم بها يعني أن الشغل الشاغل لرسولنا كان النساء والطواف عليهن، وهذا مناف تماما لطبيعة شخصية الرسول.

من تشغله شؤون الدعوة وتأمين دولة الإسلام في مواجهة الأخطار المحيطة بالمدينة لن يجد وقتاً للطواف على نسائه.

مقتضيات العقل والواقع والطبيعة البشرية تقول: إن من تشغله هذه الأمور المصيرية لن يكون همه النساء والطواف عليهن. هذه ترهات يتنزه عنها عليه الصلاة والسلام، هلا تساءل الذين أخذوا الحديث أخذ المسلمات: من أين لأنس أن الرسول أوتي قوة 30 رجلاً؟!

يتبع،،،

*كاتب قطري

back to top