رياح وأوتاد: المقارنات العرجاء تظلم الكويت

نشر في 27-09-2021
آخر تحديث 27-09-2021 | 00:09
 أحمد يعقوب باقر بصراحة لم أقتنع يوماً بالمقولة المنسوبة الى أحد الدعاة الذي زار أوروبا في النصف الأول من القرن الماضي، وقال إنه وجد الإسلام ولكنه لم يجد المسلمين، وأعتقد أن هذه المقولة لو صحت نسبتها إليه فلعله كان يقصد بعض أنواع المعاملات والتعليم، لأن من المستحيل أنه كان يقصد كل مناحي الحياة، لأن الحياة في الغرب مليئة بالمظاهر التي تخالف الإسلام مثل السفور والعلاقات المحرمة خارج الزواج والأبناء غير الشرعيين والخمور والفاحشة التي يروج لها علناً في الأسواق، وبالتالي تقع تلك المقولة في خانة المقارنة الناقصة وغير الصحيحة.

وبمثل تلك المقولة تطالعنا يومياً وسائل التواصل برسائل تمدح دولة خليجية أو عربية أو غربية بمعلومات ناقصة تقارن بينها وبين بلدنا الكويت بنشر معلومة قد تكون صحيحة ولكنها غير كاملة، ولا تشمل كل نواحي الموضوع المراد بيانه، فمثلا أرسل لي أحد الإخوة رسالة فيها إساءة للكويت بذكر مزايا مالية في إحدى الدول يزعم أنها أفضل من أوضاعنا، فقلت له: هل تعطي هذه الدولة علاوة أولاد (50) ديناراً لسبعة أولاد؟ قال: لا، فقلت: هل قارنت بينها وبين الكويت في أسعار الوقود وغاز الطبخ؟ قال: لا، فقلت: هل قارنت بينها وبين أسعار الكهرباء والماء عندنا؟ قال: لا، فقلت: هل أدخلت في المقارنة أن المواطن هناك يدفع ضريبة (15%) على كل مشترياته؟ قال: لا، قلت إذاً فإن المقارنة التي عقدتها ناقصة ولا يجوز الاحتجاج بها.

وقريب آخر قارن بين سرعة إنجاز المشروعات في بلد ما مع البطء المشاهد في الكويت، فقلت إن القرار في الكويت يمر بسلسلة طويلة من الإجراءات والموافقات والرقابة الإدارية والمالية ومجلس الأمة، وهو ليس قراراً يتخذه شخص واحد، فهل تريد إلغاء الرقابة ومجلس الأمة؟ قال: لا، فقلت: هل تريد إلغاء حرية النقد والتعبير عندنا؟ قال: لا، فقلت إذاً فالمقارنة عرجاء وغير منصفة أيضاً.

وثالث أساء إلى نظام التأمينات في الكويت رغم أنه أحسن نظام في العالم، وجاء بمثال من سويسرا عن مزايا المتقاعد هناك، فقلت له: هل رجعت إلى سن التقاعد هناك؟ قال: لا، فقلت: هل سألت عن عدد سنوات الخدمة المطلوبة وحجم المبالغ الشهرية التي يدفعها الموظف أو العامل هناك؟ قال: لا، فقلت إن مقارنتك ليست سليمة إذاً، لأن الموظف هناك لا يتقاعد قبل سن الخامسة أو السابعة والستين، ويدفع مبالغ طائلة طوال سنوات الخدمة، وهل تعلم أيضاً أن الخليجيين الذين يعملون في الكويت يتمنون أن يطبق عليهم قانون التأمينات الكويتي لكثرة ميزاته، في حين تنص الاتفاقية الخليجية على أن تطبق كل دولة قانون الدول الخليجية الأخرى على العاملين على أرضها من مواطني تلك الدول؟

ومن المؤسف أن يقدم بعض أعضاء مجلس الأمة اقتراحات بناء على مقارنات شعبية مثل هذه، غير سليمة وغير مدروسة، لمجرد أنها منشورة في وسائل التواصل، في حين الصحيح أن يقوم العضو بعرض ما ينشر على المتخصصين في كل مجال لمعرفة الموضوع من كل جوانبه الاقتصادية والمالية قبل أن يتبناها ويقترحها في المجلس.

ومثل ذلك أيضاً قيام بعض المؤيدين لأحد النواب أو التوجهات بنشر مقاطع تسيء أو تهاجم نواباً آخرين من جلسات مجالس سابقة في وسائل التواصل دون نشر رد الوزراء أو النواب الآخرين عليهم، فهذا العمل يقع أيضاً ضمن المقارنات العرجاء المضللة التي يجب الانتباه إليها والحذر منها لأنها تنافي الصورة الكاملة للحوار الذي تم في المجلس.

الخلاصة: أن كثيراً من الإخوة مستخدمي وسائل التواصل يجلدون الكويت بمقارنات غير كاملة، ولا تحيط بالموضوعات من جميع جوانبها، مما يؤدي الى بلبلة شعبية ومطالبات غير معقولة وتراكم الشعور بالإحباط في البلد.

لا يعني هذا خلو بلدنا من العيوب لأن العيوب والأخطاء موجودة وكبيرة، ولكن يجب أن توضع في مقارنات صحيحة ومتكاملة مع ذكر مظاهرها وأدلتها وأسباب وقوعها وكيفية القضاء عليها ومعالجتها فنياً، خاصة مع ما نتمتع به من حرية ومجلس أمة، لأن هذا هو الأسلوب السليم بدلاً من النواح والإحباط ونشر المقارنات العرجاء.

أحمد باقر

back to top