ابني العزيز سعود الذويخ

نشر في 29-08-2021
آخر تحديث 29-08-2021 | 00:10
إن الأمانة العلمية لا تنقصني، وأنت أدرى بذلك من غيرك، وحاشا لله أن أكون قد نقلت عن حمد الجوعان ما لم يقله، فهو لم يمت، لأنه في قلبي دائما، وكان شعب الكويت في قلبه حين ارتقى به إلى مرتبة النبوة في تجربته الديموقراطية.
 المستشار شفيق إمام ابني العزيز سعود الذويخ

بعد التحية،،،

يقول المولى عز وجل «وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً»، وقد اهتدى العلماء، بعد جدل طويل إلى تعريف الإنسان بأنه كائن حي ذو تاريخ، تمييزاً له عن الكائنات الحية الأخرى.

وكنت قد كتبت مقالا في هذه الصحيفة تحت عنوان «هل يصنع الإعلام الإلكتروني جيلاً لا يعرف تاريخ وطنه»، ولكن يبدو أن الإعلام الإلكتروني قد صنع منك إنساناً لا يعرف تاريخه الشخصي، فقد جمعتني وإياك زمالة وصداقة على مدار ثلاثة عقود وتعرفت فيها إلى والدك الذي زارني معك في بيتي أكثر من مرة وتوطدت العلاقة بيننا، وحرصت في الفترة الأخيرة القصيرة على أن تكون معي ضمن فريق عملي لإعداد إحدى الوثائق الدستورية وفاتحت في ذلك رئيس المجلس الموقر السيد مرزوق الغانم، لكن المرض الذي داهمني حال دون ذلك.

لذلك فقد صدمتني تغريداتكم التي اقتصرت على مقالاتي الأسبوعية، تلهبها بسياط من القذف والسب، وإذا كنا نرحب بكل حوار، ولا نجعل صدرنا ضيقاً حرجا، فإن ذلك رهين بجدوى الحوار، ولذلك تعففت وترفعت عن الرد على تغريداتك، أملاً في أن تنجلي الحقائق أمامك، أما وقد بالغت وتماديت في إلحاق التهم بي، فأصبت عزيزاً على قلبي وعلى قلب كل مواطن، وهو الصديق والمعلم الراحل حمد الجوعان، فيما نقلت عنه وبالحرف الواحد في مقال كتبه قبل عودته من رحلة علاجه من الرصاصة الغادرة التي أصابته بعد التحرير مباشرة، فقد رأيت لزوماً علي أن أجلي لك وللقارئ ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي، تفسيراً للآية الكريمة التي استهللت بها مقالي والتي يقول فيها المولى عز وجل: «وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً»، إذ يقول الشيخ الشعراوي إن الجدل هو المحاورة، لكي يثبت كل واحد أنه على حق، فتنجلي الحقيقة من تصارع الآراء.

أما الجدل الذي يقيمه صاحبه على الأهواء الكثيرة التي تجول بخاطره، ليثبت صحة كل هوى يفارق الحق فيه، فهو الجدل المعيب، الذي نهى عنه الرسول صلى الله في قوله «وجادلهم بالتي هي أحسن».

وأنقل للقارئ فيما يلي مقال حمد الجوعان قبل عودته إلى الكويت من الخارج، بقلمه بالحرف الواحد.

«نعم.. سوف أعود إلى بلدي

وماذا بعد ذلك أقول حول عودتي إليك يا بلدي، غير أن أبث إليك مشاعر الحنين، وأن أحظى قريبا بطيب لقائك ولقاء من أحبهم، وهم أهل بلدي ومن بينهم بعض أهلي وأعزتي وصحبتي الذين استطال بُعدي عنهم وبُعدهم عني قرابة عامين بسبب عدوان غادر على بلدي، ورصاصة غادرة على جسدي.

ولكم هي طويلة تلك الأيام التي تمر بي وأنا في غربتي، ولكم هي موحشة تلك الليالي التي أقضيها بعيداً عن حضن بلدي ولكن ما يبعث الرضا في نفسي، أنني عشت أحلى لحظات الحب وأنت أسيرة يد «طاغية» عاثت فساداً في كل شبر من أرضك، ولكنها لم تستطع أن تعيث فسادا في نفوس الكويتيين.

إن لحظات المحبة، بكل أيامها ولياليها التي عشتها وأنت أسيرة ذلك «الطاغية»، وعاشها كل الكويتيين «لكفارة»، عن كل الذنوب التي ارتكبها البعض من أبنائك بحقك؛ ولكن «التوبة المقبولة» عن كل مسلك خاطئ من أي کویتي، ذكراً كان أم أنثی، حاکما کان أو محکوما، هي «التوبة النصوح»، وهي لا تكون مقبولة إلا إذا أدرك صاحبها أن الخالق لا يرضى تسديدها بالأقساط، بل هي مستحقة الأداء فوراً، كما هي مستحقة طوال العمر وحتى الممات.

إن يد «الطاغية»، التي كانت تملك رابع جيش في العالم، لم تستطع أن تحرز النصر، لأن قلوب كل الكويتيين كانت سداً منيعا لم يستطع أن ينفذ من خلاله، ولأن وحدة القلوب تجاوزت اختلاف الأفكار، فلقد أثبت الكويتيون، وهم الآن كذلك، وسوف يظلون، لا يرضعون إلا الحب من ثدي أمهم الكويت، ولو جلبوا لهم كل مرضعات العالم وكل أصناف حليب الأطفال.. وليست قصة موسی عليه الصلاة والسلام ومرضعته إلا عظة وعبرة لمن يريد أن يتعظ ويعتبر.. إن فرعون ملك «أم الدنيا وما حولها»، والذي توج نفسه والعياذ بالله رباً لا يعبد سواه، ارتضى لموسى أن تكون أمه مرضعة له، وما كان ذلك ليحدث لو لم يكن لموسى رب يرعاه، والله يحفظه ويصونه «لرسالة» عليه أن يحملها ويتحملها، مهما كان جحود «اليهود» من أهله، ومهما كان من عبادتهم للعجل، الذي صنعوه.

ولذلك فإن للكويت «رسالة»، وعلى أهلها واجب التبليغ بها، فالكويت «نبي» الديمقراطية المرسل إلى هذه البقاع ولأهلها، وعلى الكويتيين من حكام ومحكومين واجب القيام بهذه «الرسالة» وأدائها.

إن «رسالة الحق» انطلقت من هذه البقاع، واستطاعت أن تقهر بقوة الإيمان إمبراطوريات وممالك في أرض فارس والعراق والشام، وما كان لديها من سلاح إلا ما آمنت به من «رسالة» ولو كانت التضحية بالروح وبالأهل والمال سبباً في تبليغها.

إن «التاريخ» يعيد نفسه، فلنكن خير المتمعنين في قراءته حتى لا نغدو كالغساسنة أو «المناذرة» في كتب التاريخ في المستقبل.

وسلام عليك يا بلدي ورحمة الله وبركاته، والسلام عليكم يا أهل بلدي». (حمد الجوعان)

هذا مقال حمد الجوعان، الذي نقلت منه وبالحرف الواحد العبارة التي أثارت انتباهك، واستنكرت أن يكون حمد الجوعان قد قالها، عندما شبه شعب الكويت بتجربته الديموقراطية بأنه نبي الديموقراطية واستنكر أن يقول الجوعان ذلك لأن مقام النبوة رفيع لا يخفى على حمد الجوعان.

الأخ سعود:

إن الأمانة العلمية لا تنقصني، وأنت أدرى بذلك من غيرك، وحاشا لله أن أكون قد نقلت عن حمد الجوعان ما لم يقله، فهو لم يمت، لأنه في قلبي دائما، وكان شعب الكويت في قلبه حين ارتقى به إلى مرتبة النبوة في تجربته الديموقراطية، ليطالبه بنشر هذه التجربة في الوطن العربي كله.

مع خالص التحية... المستشار شفيق إمام.

● المستشار شفيق إمام

back to top