مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي... إلى اللقاء

• رصيد المركز 270 ألف زائر لـ 328 فعالية بتقييم 90% للجودة وفق استبيانات الجماهير
• كل التوفيق للإدارة الجديدة ونترقب رؤى إبداعية مختلفة
• التحدي الأكثر أهمية لمستقبل المركز: إنشاء مؤسسة عامة غير ربحية... يرأسها مجلس أمناء منتقى

نشر في 02-08-2021
آخر تحديث 02-08-2021 | 00:05
بقلم: فيصل خاجة

بعد مسيرة شائقة تجاوزت 4 سنوات في إدارة هذا الصرح، وبعد التوجه الأخير بتحويل تبعية مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي إلى وزارة الإعلام، أكتب هذه السطور بِمداد الاعتزاز بما تم تقديمه من قِبل زميلاتي وزملائي الأفاضل من عَملٍ أعاد لنا الأمل بنهضة ثقافية تليق بقدرات الكويت الكامنة، متمنين للإدارة الجديدة أن تستكمل المشوار بمزيد من الإبداع والعطاء. كما يحدونا الأمل أن يستفيد المركز من إمكانيات الوزارة، بما تحتويه من كوادر بشرية ومواد أرشيفية هائلة، مع ثقتنا بأن يولي وزير الإعلام والثقافة هذا المركز الاهتمام اللازم، ليظل منارة مُشعة في سماء الكويت.

أشبه بالحلم السعيد، أستحضر أبرز محطات هذا المشوار، الذي كانت بدايته بذرة «انتقاد» تطوعية قدمتها للديوان الأميري في فبراير 2017، ونمت لتصبح شجرة ذات أغصان عديدة في فترة وجيزة، منها استراتيجية المواسم الثقافية، وتأسيس فرقة المركز للموسيقى، وإنتاج الأعمال الفنية الاستعراضية، واستقطاب كبرى الفرق العالمية الكلاسيكية، وتأسيس مدرسة الموسيقى للأطفال، وتقديم مطبوعات مختلفة تليق بهذا الصرح. والأهم على الإطلاق هو تكوين فريق عمل وطني متناغم ومشغوف باستطاعته تطوير وترجمة تلك الرؤى، والتي أضحت واقعاً استقطب أكثر من ربع مليون زائر لأنشطة المركز الثقافية والفنية، والبالغ عددها 328 فعالية (1).

جزيل الشكر لكل مَنْ ساهم بمنحي هذه الفرصة الكبيرة، ووثق بشغفي وأحلامي، مع اعتذاري عن أي تقصير بَدر مني، وامتناني الأكبر لوطني الحبيب، الذي لن أوفيه حقه ما حييت.

تعدَّدت أنماط الأنشطة التي تم تقديمها، وكان أكثرها نجاحاً أنشطتنا المبتكرة، والتي تم تقديمها استناداً إلى فرقة المركز للموسيقى، والتي أُسست برؤية معاصرة، تم على أثرها تقديم 71 فعالية استقطبت أكثر من 86.000 زائر، حاصدةً أعلى نسب الإعجاب بالمستوى، بنسبة 95 في المئة (2)، ويُحسب لهذه الفرقة الفتية قدرتها على ملء المسرح في معظم الأنشطة من غير الاعتماد على نجوم الغناء، خلافاً للسائد، كما يُحسب لها الطلب العالي لتقديم عروضها في الخارج، تسنَّى لنا تلبية بعضها، والتي ملأت بدورها المسارح في قَطر والسعودية، مع تقديمها أمسية رائعة في قصر الهوفبورغ الرئاسي التاريخي للنمسا في آخر نشاط لها قبل أن تكبح الجائحة جماحها. ولتلك الأمسية ذكرى خاصة، لإقامتها بعاصمة الموسيقى في العالم، والتي تشرَّفنا بها بحضور ممثل سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، الشيخ محمد العبدالله نائب وزير الديوان الأميري، ونستحضر ذكرى أميرنا الراحل، رحمه الله، بكل وفاء وتقدير، لما قدَّمه للثقافة والفن في الكويت عبر مسيرته الحافلة، التي توجت بهديّته الثمينة، المتمثلة بإنشاء المراكز الثقافية، منها مركز الشيخ جابر الثقافي، الذي تشرَّف بزيارته 3 مرات، كان آخرها حضوره المبهج والمفاجئ لأحد عروض المركز، برفقة أخيه سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، في 13 يناير 2019، في سابقة تعني لنا الكثير، وسنستذكرها على الدوام مع كل كلماته ورسائله الداعمة والتشجيعية بفائق الوفاء والامتنان والحُب، مع ثقتنا العالية بالقيادة السياسية لاستكمال المسيرة الثقافية.

إقبال كثيف للكلاسيكيات الغربية

ومن زاوية أخرى، شكَّلت الكلاسيكيات الغربية في البدء تحدياً ثقافياً ومالياً، إذ كان الإقدام على استقطاب كبرى الفرق العالمية ينطوي على مغامرة غير معلومة النتائج، آخذين بالاعتبار تكلفتها المرتفعة، علماً بتجاوز عدد المشاركين بها في الغالب الـ 100 شخص لكل أمسية، وكانت المفاجأة السَّارة بامتلاء القاعات في معظم الأمسيات الـ 27، والتي تضمنت الأوركسترات الفيلهارمونية (لندن سيمفوني، بوخارست، براغ، زغرب والأوركسترا الملكية البريطانية)، والتي حرصنا من خلالها على تقديم مؤلفات جديدة لمبدعين كويتيين بتكليف، نال بعضها جوائز الدولة التشجيعية في التأليف الموسيقي، بعد أن حُجبت لسنوات طوال (3).

وكان مسك الختام باستقبال أهم دور الأوبرا العالمية «لاسكالا» الإيطالية في أكبر تواجد لها بالشرق الأوسط، لتقدم «باليه جيزيل» بأربعة عروض امتلأت بأكثر من 6000 زائر.

ولا يفوتني أن أسجل، وباعتزاز، الإشادات المتكررة التي تلقيناها من ممثلي تلك الفرق العالمية بسلوك الجمهور في الكويت، والذي يعكس ثقافة عالية بأعراف تلك الفنون الرفيعة. كما حرصنا على تقديم أنماط أخرى، منها العروض الترفيهية العالمية الممتعة، التي حضرها أكثر من 43.000 زائر. كما شكَّل حديث وموسيقى الاثنين نواة لنشاط ثقافي أسبوعي مجاني لا يتسم بالتقليدية، يتم الإعداد له مسبقاً، مازجاً المتعة والفائدة. ويكمن التحدي في الاستمرار بخلق محتوى متجدد يحاكي شغف الجماهير.

سقف الحرية

كثيرة كانت التحديات، كان أحدها وأكثرها غرابة رضوخ المركز في البدء لتشريعات لا تتناسب معه، والذي استثمرت به الدولة ربع مليار دينار، منها ضرورة فصل الشباب عن العوائل، مع منع الرقص بجميع صوره وأشكاله على خشبة المسرح، وفقاً لقرار وزاري يتحدى تراثنا الكويتي الغني (4)، فهل رقصات الزفان والسامري والخمّاري والعرضة دخيلة على الثقافة الكويتية؟

كان تجاوز تلك المعضلة عبر استصدار قرار من مجلس الوزراء، مشكوراً، بتشكيل لجنة تختص بترخيص أنشطة المركز، ولا أُخفي خشيتي من التأثير السياسي السلبي على سقف الحرية الفنية الذي تمتع به المركز في المواسم الماضية.

شكراً من القلب

في النهاية، شكراً لكل مَنْ ساهم في هذه التجربة الرائعة، شكراً لجمهورنا العزيز الذين كانوا شركاء حقيقيين في النجاح بحضورهم وآرائهم وانتقاداتهم وسلوكهم الحضاري، المتمثل باحترام المواعيد والضوابط الأخرى، شكراً لأعضاء لجنة التقييم الأفاضل (5)، شكراً لجميع الفنانين والمشاركين في أنشطة المركز، وشكراً لكل موظفي المركز، البالغ عددهم 96 موظفاً.

وددتُ ألا أخص اسماً دون غيره، كي لا أقع بمحظور الخطأ والنسيان، لكن قلمي استثنى بضعة أسماء رغماً عنّي. فائق التقدير والامتنان لزميلتي الفاضلة عالية الغانم – نائب مدير المركز، على كل ما قدَّمته من عطاء لا تُنصفه الكلمات مهما بلغت بلاغتها، والشكر الجزيل موصول للمديرين الزملاء المبدعين: د. أحمد الصالحي ورهام السامرائي وعبدالعزيز عبدالله وحمد الريّس، على عطائهم المتدفق في جميع الظروف. والمعذرة لمن لم يرد اسمه، وسأكون، وبرفقة جميع الزملاء، في غاية التوق للعودة إلى المركز قريباً، لكن لنجلس على مقاعد الجمهور، حتى نسعد برؤى فنية جديدة ترتقي بتجربة المركز إلى آفاق جديدة تليق به، وبالكويت.

هوامش المقال:

1 - إجمالي عدد جماهير أنشطة المركز الثقافية والفنية بلغ 270 ألف شخصاً، والعدد لا يشمل زائري بعض الأنشطة والمرافق الأخرى، مثل أنشطة مركز المؤتمرات ذات الطبيعة التخصصية في الغالب، كما لا يشمل أعداد زائري المرافق الخارجية (المطاعم والنافورة وساحة العلم)، والذين يقارب عددهم 250.000 شخص سنوياً.

2 - بداية من فبراير 2018، بدأ المركز تقديم استبيانات إلكترونية دورية لجميع فعالياته، بحيث يتم إرسال رسالة نصية لكل مَنْ قاموا بشراء تذاكر لتلك الفعاليات يتم من خلالها رصد رضاهم تجاه جودة العروض وأسعار التذاكر، وتجربة زيارتهم، متضمنة الخدمات الأخرى. وقد بلغت نسبة المشاركين بتلك الاستبيانات 30%، وهي نسبة مرتفعة جداً بالنسبة للعينات الإحصائية. وتصدَّرت الإنتاجات المبتكرة للمركز، سواء المستندة على الفرقة أو غيرها والكلاسيكيات الغربية، نسب الإعجاب بالجودة، إذ نالت في متوسطها 94%، في حين نالت بقية الأنماط الأخرى متوسط 87%. ويوضح الرسم البياني التالي الإعجاب بجودة العروض وفق 8 أنماط رئيسة للعروض.

3 - حصد المبدعان مشعل حسين 2018، ود. عبدالله الخلف 2020، جوائز الدولة التشجيعية في مجال التأليف الموسيقي على مقطوعتي البوشية ورحلة الغوص، اللتين تم تقديمهما خصيصاً للمركز، في سابقة لهذه الجائزة، بأن يتم منحها مرتين خلال ثلاث سنوات فقط. فطوال الفترة الممتدة بين عامي 1990 و2017، والبالغة 28 عاماً، تم منح جائزتين فقط للتأليف الموسيقي من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

4 - القرار الوزاري رقم 32 لعام 2016 بشأن شروط إقامة الحفلات الغنائية والموسيقية – جريدة الكويت اليوم العدد 1279، المادتان الثالثة والخامسة.

5 - يقوم الديوان الأميري قبل بدء أي موسم بتشكيل لجنة بعنوان «لجنة التقييم»، وهي لجنة معنية بدراسة العروض الفنية، والمشاركة في تقديم المقترحات والمشاورات الفنية والثقافية، وتضم 8 مقاعد، بواقع مقعدين مخصصين للديوان الأميري، وآخر لممثل الإدارة التشغيلية، مع وجود 5 أعضاء آخرين من خارج المركز ذوي خبرات ثقافية متنوعة، أتقدم لهم جميعاً بالشكر الجزيل على مساهمتهم الفعالة في المواسم الثقافية الماضية، والذين استفدت شخصياً من خبراتهم وآرائهم الكثير، وهم: د. سليمان العسكري، أ. فيصل يوسف المناعي، د. ندى المطوّع، أ. بدر محارب، د. فهد الفرس.

التحدي الأكثر أهمية لمستقبل المركز: إنشاء مؤسسة عامة غير ربحية... يرأسها مجلس أمناء منتقى

من التحديات التي واجهتنا عدم انجاز مبادرتنا لاستحداث كيان رسمي جديد للمركز يضمن استدامته، كما هو الحال في جميع المراكز الرائدة عالمياً للفنون الأدائية، مثل دور أوبرا: باريس، سيدني، الميتروبوليتان، وغيرها، كونها مؤسسات مستقلة وغير ربحية، يرأسها مجلس أمناء مُنتقى لا يخضع للضغوطات السياسية ولا للاجتهادات الفردية، بحيث يُدار المركز وفق خطط استراتيجية متوسطة وبعيدة المدى، لتحقق الكفاءة المطلوبة؛ ثقافياً وإدارياً ومالياً، مع خضوعه لأعلى معايير الشفافية والحوكمة بصيغة تمنحه المرونة اللازمة، آملين استكمال هذا المسعى، حرصاً على استدامة عطاء هذا الصرح بعيداً عن الحلول المؤقتة.

45% انخفاض أسعار التذاكر لتصل إلى المعدلات العالمية

في جميع المراكز العالمية يتم تسعير التذاكر بشكل يتناسب مع القيمة الفنية للنشاط، مع السعي لإيجاد إيرادات مختلفة تصب في مصلحة ميزانية المركز، فعلى سبيل المثال، تشكل إيرادات التذاكر نسبة %32 من إيرادات أوبرا باريس العريقة علماً بأن متوسطها يبلغ 30 د.ك للتذكرة الواحدة، ورغم قيود النموذج الإداري الحالي للمركز التي تعوقه عن اللحاق بالركب العالمي، تمكنّا من خفض أسعار التذاكر لتصل في موسمه الثالث إلى متوسط 35 د.ك للتذكرة الواحدة، مع العلم أن الموسم تضمن أضخم العروض إنتاجاً واستقطاباً، ومنها ما تعطّل، إذ اجتاحتنا الجائحة قبيل تقديم استعراض «الكويت تنادي»، الذي كان يستهدف استحداث قالب جديد عصري وممتع للاحتفالات السنوية بالأعياد الوطنية محاكياً العقول والقلوب معاً.

ويوضح الرسم البياني متوسط أسعار التذاكر بحسب المواسم، مع بعض الإيضاحات المتعلقة بمهرجان فبراير الكويت السنوي، والتي شكّلت نسبة %9 من إجمالي التذاكر التي تم طرحها للبيع (بمجموع 24 حفلة من أصل 278 فعالية)، إذ إنها ذات طبيعة تجارية خاصة ولا نتدخل في أسعار تذاكرها، البالغ متوسطها 111 د.ك للتذكرة الواحدة، ورغم ارتفاعها فإنها تخضع للعرض المحدود، إذ لا يسع المسرح الوطني إلا 1.700 مقعد، مع الطلب العالي المتمثل بأضعاف تلك السعة، لتنجم عن تلك المعادلة الكثير من المشكلات، آخذين بعين الاعتبار عدم القدرة على تمديد تلك الحفلات لتلبي الطلب عليها بخلاف الأنشطة التي يقوم المركز بإنتاجها.

وبناءً على ما سبق، تم الاتفاق مع مسؤولي الديوان الأميري على أن يكون مهرجان فبراير الكويت 2020 هو الأخير في تاريخ المركز، إذ بدأ الديوان بناء مسرح كبير بسعة 2.500 مقعد ضمن نطاق المرحلة الثالثة من حديقة الشهيد، ليتمكن المهرجان من استيعاب أكبر عدد من الجماهير.

• لقراءة المقال باللغة الإنكليزية

فيصل خاجة

الأنشطة المبتكرة الأعلى جودة بنسبة %95

إدارة وطنية خالصة اجتازت المسافات بإخلاص وتفانٍ

ثقافة عالية تحلى بها جمهور المركز

إقبال فوق المتوقع للكلاسيكيات الغربية

فرقة المركز... الأعلى جماهيرية بأكثر من 86 ألف زائر
back to top