«احتياطي الأجيال» أعلى أداءً من «التأمينات»... وأقل شفافية!

• الارتباط بالأسواق العالمية إيجابي بشرط التحوط وتحديد درجة المخاطرة
• المؤسسة غيَّرت مصطلح «أرباح» إلى «ارتفاع قيمة الأصول» لتحاشي ضغط النواب الشعبويين
• «التأمينات» تتوقع حدوث تقلبات في أسواق الأسهم العالمية فماذا عن نسب المخاطرة في استثماراتها؟

نشر في 04-07-2021
آخر تحديث 04-07-2021 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
عرضت مؤسستان حكوميتان، قبل أيام، بيانات الأداء لمحافظهما الاستثمارية السيادية حتى 31 مارس الماضي، متضمنة ارتفاعات قوية في قيمة الأصول المملوكة والمدارة، وتطوراً أقل على مستوى شفافية البيانات، مقارنة بمليارات الدنانير المستثمرة.

وتفصيل ذلك أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية، التي تدير أموال المتقاعدين والمشتركين، والتي ينطبق عليها صفة السيادية، حققت عوائد على أصول المحفظة الاستثمارية بنسبة نمو 20.9 في المئة عن العام الماضي، مسجلة معدل عائد عاماً على الاستثمار 16.5 في المئة، أما الهيئة العامة للاستثمار فأعلنت أن صندوق احتياطي الأجيال القادمة حقق -كما في تصريح وزير المالية- أداء أعلى بلغ 33 في المئة عن العام الماضي، وأشار الوزير إلى أن هذا الأداء لصندوق الأجيال يعد "الأفضل في تاريخه، متفوقاً على الصناديق السيادية العالمية المناظرة (التي تفصح عن أدائها) وعلى أداء المؤشرات الرئيسية".

وبعيداً عن "بيانات العلاقات العامة"، فإن إعلان النتائج المالية أمر إيجابي بحد ذاته، لكنه أيضاً غير كافٍ، خصوصاً لـ "احتياطي الأجيال"، الذي طالما افتقر إعلان الحالة المالية للدولة إلى أي بيانات رسمية عن أدائه أو قيمة أصوله. وما أعلنه وزير المالية، الأسبوع الماضي، كان يتعلق فقط بنسبة الأداء المرتفعة البالغة 33 في المئة، من دون الإفصاح عن قيمة أصول الصندوق، مما أطلق تكهنات بأن قيمة أصول الكويت السيادية بين 600 مليار وتريليون دولار.

تعديل مصطلحات

أما مؤسسة التأمينات، فقد تخلت، في بيانها الأخير، عن بعض مصطلحات "العلاقات العامة" -وهذا أمر يحسب لها- فمثلاً نسَبت الإنجاز إلى المؤسسة، لا إلى "الإدارة الجديدة"، كما كانت تذكر في بيانات سابقة، خصوصاً أن بعض استثمارات محفظة التأمينات الرابحة اليوم موجودة فيها منذ نحو 20 عاماً، كما عدلت المصطلح غير الدقيق في البيانات الفصلية السابقة الخاص بـ "الأرباح" أو "الأرباح الاستثمارية" إلى المصطلح الصحيح، وهو "ارتفاع قيمة أصول المحفظة الاستثمارية"، وتعديل المصطلح ليس فقط لتصحيح المفاهيم، بل أيضاً لحماية المؤسسة من عبث بعض النواب الشعبويين الذين طالبوا بما يعرف بـ "توزيع أرباح على المتقاعدين" أو خفض سنوات التقاعد عندما كانت المؤسسة تستخدم مصطلح "أرباح" في البيانات الفصلية، لوصف أداء محفظتها الاستثمارية... وبالطبع يحسب للمؤسسة تقديرها، في كل بيان عن نتائج الأداء، للفريق المهني الذي يضم أكثر من 100 موظف كويتي يتولون إدارة المحفظة.

ارتفاع الأسواق

وفي كلتا حالتي "التأمينات" أو صندوق احتياطي الأجيال، فإن ارتفاع الأصول القوي جاء -حسب إعلان الجهتين- مدعوماً بشكل أساسي بالأداء القياسي لأسواق المال العام الماضي، فضلاً عن أن إدارة الأصول في الجهتين (التأمينات وهيئة الاستثمار) غير مباشرة، لأنها مرتبطة بتعاقدات مع صناديق عالمية ومتخصصة تدير أموال الجهتين، وفق عقود مبرمة وعمولات وأتعاب متعارف عليها في عالم الاستثمار. وبقدر ما أنّ مواكبة أداء الأسواق أمر إيجابي للجهتين، فمن المفيد التنبه إلى بعض التفاصيل حول هذا الموضوع بالذات، خصوصاً ما يتعلق بالتحوط ودرجات الشفافية والمخاطرة.

فوفق بيان وزير المالية في مجلس الأمة، حقق الصندوق السيادي الكويتي، الذي تديره هيئة الاستثمار، تفوقاً على "الصناديق السيادية العالمية المناظرة (التي تفصح عن أدائها) وعلى أداء المؤشرات الرئيسية"، لكن دون أن يسمي أي صناديق أو مؤشرات، بينما لم تقدم "التأمينات الاجتماعية" أي مقارنة مع أداء صناديق التقاعد العالمية، ولا أداء المؤشرات الرئيسية، التي تتبعها، مع العلم أن صندوق استثمار المعاشات الحكومي الياباني، الذي يعد أكبر صناديق التقاعد في العالم، أعلن قبل يومين أن استثماراته ارتفعت في الفترة المنتهية 31 مارس الماضي بنسبة 25 في المئة، في حين حقق صندوق المعاشات الحكومي الكوري الجنوبي ارتفاعاً بـ 9.7 في المئة عام 2020، أما صندوق الثروة النرويجي، وهو مزيج من نظامي "السيادي والتقاعد"، فحقق نمواً استثمارياً بلغ 10.9 في المئة، في نفس الفترة المقارنة.

تطوير المهنية

في النهاية، هذا الأداء الجيد، رغم ارتباطه بأداء الأسواق العالمية، يستحق الثناء على الجهتين، هيئة الاستثمار و"التأمينات"، لكنهما يجب أن تحققا استفادة أكبر من هذا الأداء، وهو أن تتطور المهنية الخاصة بالمؤسستين وشفافيتهما، فمثلاً هذه ليست المرة الأولى التي تعلن الهيئة نتائج أداء المحفظة، فقد سبق لها أن قدمت بعض المعلومات التي مكنت المتابعين، حتى من معرفة حجم أصول الصندوق السيادي آنذاك، عندما قدرت "الخسائر المحققة وغير المحققة للعام المالي المنتهي في مارس عام 2016 بنحو 1.02 مليار دولار، ما يعادل 0.2 في المئة، من إجمالي الأصول المدارة"، وهو ما يعني أن إجمالي هذه الأصول السيادية - وقتئذ - بلغ 510 مليارات دولار، الأمر الذي يجعل من تطور الإفصاح مطلباً ملحاً مع كل إعلان جديد لما يعرف بالحالة المالية للدولة.

فالمقارنة بأداء الصناديق التي تعلن نتائجها، مثل صندوق سنغافورة أو النرويج، يتطلب أيضاً المقارنة بها في مستوى الشفافية، فهذه الصناديق تعرض أداءها بشكل دائم ومعلن، متضمنة التوزيع الجغرافي والقطاعي وكل المعلومات الخاصة بالاستثمارات والأصول بشكل متاح لجميع الراغبين في الحصول على أي معلومة عنها.

مخاطر وتقلبات

كما أن الأداء القوي أو اللافت يستوجب أيضاً تحديد نسبة المخاطر، فمثلاً "التأمينات" أقرت سياسة خفض كبير لنسبة السيولة النقدية بالمحفظة من 41 في المئة عام 2016 إلى 4 في المئة في مارس الماضي، وهذا وإن كان يعني ارتفاعاً قياسياً في العوائد، خلال فترات صعود الأسواق، فربما يعني أيضاً تراجعات كبيرة في فترات انخفاضها، خصوصاً أن بيان المؤسسة الأخير توقع أن "نشهد تقلبات في أسواق الأسهم العالمية على المدى المتوسط"، لذلك فإن الخفض الكبير في نسبة السيولة النقدية بالمحفظة الاستثمارية قد يحتوي على نسب مخاطرة مرتفعة، خصوصاً في ظل حديث خبراء الاقتصاد المتكرر عن التضخم، وتحديداً في أسعار الأصول.

مرجعية واحدة

اللافت في مسألة اختلاف الشفافية بين مؤسسة التأمينات والهيئة العامة للاستثمار أنهما تتبعان سياسيا وزيراً واحداً هو وزير المالية، وهو نفسه يرأس مجلسي إدارة كل من التأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للاستثمار، مما يتيح له المشاركة في رسم سياسات الجهتين، وبالتالي يفتح الباب للتساؤل بشأن اختلاف المعايير في كل منهما، فـ "التأمينات" مثلاً تكشف عن اجمالي الاصول المدارة، على عكس هيئة الاستثمار، في حين تقارن الاخيرة أداءها بمؤشرات وصناديق غير محددة، مقابل مقارنة غير موجود أصلا في بيانات "التأمينات".

ولعل الحديث عن إدارة الاصول المليارية يفتح المجال مجددا لمناقشة فكرة جعل الهيئة العامة للاستثمار جهة مركزية عليا في إدارة الاصول السيادية، الى جانب احتياطي الأجيال والاحتياطي العام، بحيث تدير أيضا الاصول الاستثمارية لمؤسسة التأمينات ومؤسسة البترول والصندوق الكويتي للتنمية... وهذه فكرة تستحق الدراسة والنقاش، بالتوازي مع رفع مستويات الشفافية لدى الجهة المديرة، وهي الهيئة العامة للاستثمار.

ما أهمية الشفافية؟

وربما يتساءل البعض: ما أهمية الشفافية في ظل تحقيق كل من الهيئة العامة للاستثمار (الصندوق السيادي) ومؤسسة التأمينات لارتفاعات قوية في قيمة الأصول؟

ربما يغيب عن البعض أن محفظة "التأمينات" سجلت ارتفاعات متتالية سنوية في أصولها، حتى في عهد مديرها السابق فهد الرجعان المتهم حالياً بقضايا تتعلق بالتربح من منصبه... بل حتى اعترافات المتهمين بقضايا اختلاسات "الناقلات والاستثمارات" في فترة الغزو العراقي تضمنت تبريراتهم بتحقيق عوائد للاستثمارات الكويتية خلال فترة إدارتهم، وبالطبع لا مجال للمقارنة بين من تلطخت سمعتهم بقضايا أموال الدولة ومواطنيها ومن يتولى حالياً إدارتي هيئة الاستثمار و"التأمينات"، لكن الأمر يتطلب فعلياً رفع مستوى الشفافية في المؤسستين إلى أعلى مستوى، إذ إن ذلك يقدم للرأي العام والمختصين فرصة لتقييم السياسات وإمكانية إصلاحها وتطويرها وترشيد أدائها.

محمد البغلي

النتائج الإيجابية لـ «التأمينات» و«صندوق الأجيال» قديمة منذ عهد الرجعان والمتهمين باختلاسات «الناقلات والاستثمارات» لكن المحك رفع المهنية وتعزيز الشفافية

إدارة الأصول في «التأمينات» وهيئة الاستثمار غير مباشرة لارتباطها بتعاقدات مع صناديق عالمية

وزير المالية يرأس مجلسي إدارة «التأمينات» و«الاستثمار» فلِمَ اختلفت معايير الشفافية بينهما؟

هيئة الاستثمار قارنت الأداء بصناديق ومؤشرات لم تُسمِّها... و«التأمينات» لم تقارن مطلقاً
back to top