التطرف يضرب عمق المجتمع الأميركي

نشر في 20-06-2021
آخر تحديث 20-06-2021 | 00:00
 ذي أتلانتك على مدى عقدَين بعد هجوم 11 سبتمبر، حاربت الولايات المتحدة الإرهاب والتطرف عبر التركيز على إنفاذ القانون وجاهزية وكالات الاستخبارات، فيما انشغل الخبراء بتعطيل خطط مجموعات هامشية قبل أن تتمكن من نشر العنف، لكنّ نهج "الإسعافات الأولية" لا يستطيع محاربة التطرف اليميني المعاصر الذي تجاوز نطاق الجماعات الهامشية ووصل إلى عمق المجتمع.

يترافق التطرف المعاصر في الولايات المتحدة مع انحسار الضوابط على شبكة الإنترنت وتفكك الجماعات والحركات الرسمية، إذ يقوم لاعبون فرديون بارتكاب معظم أعمال العنف، وهم يتأثرون بأفكار منتشرة على الإنترنت بدل الالتزام بمؤامرات زعماء الجماعات خلال الاجتماعات السرية، فقد حصل الهجوم ضد مبنى الكابيتول في 6 يناير على يد حشد كبير من الناس، لكنه شمل آلاف الأفراد الذين تحركوا بفعل معلومات مُضللة وحملات دعائية على الإنترنت. ينتمي 14% من المعتقلين في تلك القضية فقط إلى جماعات متطرفة.

لمحاربة هذا النوع غير المألوف من التطرف، يجب أن تتعامل الحكومة الفدرالية مع المشكلة باعتبارها خللاً يصيب المجتمع ككل أو اضطراباً مرتبطاً بالصحة العامة، فقد تحتاج مثلاً إلى تعزيز التدابير الأمنية في مبنى الكابيتول الأميركي، لكن يجب أن تبذل النوع نفسه من الجهود والأموال لمنع تفشي مظاهر التطرف قبل سنوات من أن يفكر أحد بالتحرك في العاصمة واشنطن.

لم تتمكن الحكومة الفدرالية حتى الآن من إحداث تغيير في المعايير السائدة، حيث يتعلق جزء من المشكلة بالجمود الحزبي ومقاومة الجمهوريين لأي مفهوم مرتبط بالتطرف اليميني، وقد أثبتوا هذا الموقف حين صوتوا ضد قرارات لجنة التحقيق بأحداث 6 يناير، أما المشكلة الثانية، فتكمن في تركيز الحكومة الفدرالية المفرط على الأمن مقابل تراجع اهتمامها بتجنب مظاهر التطرف منذ البداية.

لكن يجب أن نعترف بأن الحكومة الأميركية لم تتجاهل بالكامل مسألة تجنب التطرف. في شهر مارس ضاعفت الحكومة تمويلها لدعم هذه الجهود، فزادت الميزانية من 10 إلى 20 مليون دولار، لكن يبقى هذا التمويل أصغر بكثير من الاستثمارات التي تقوم بها دول أقل اكتظاظاً بالسكان، تتركز تلك الموارد أيضاً داخل الوكالة الفدرالية المخصصة للأمن، علماً أن الدول الخارجية تطبّق مقاربات متعددة الوكالات، كذلك عمدت وزارة الأمن الداخلي الأميركية حديثاً إلى تغيير اسم "مكتب مكافحة العنف المستهدف ومنع الإرهاب"، فأصبح معروفاً باسم "مركز برامج الوقاية والشراكات"، كما أنها تعهدت بتطبيق مقاربة مجتمعية لتجنب التطرف. إنه تطور واعد، لكن تتوقف معظم النتائج على طريقة تنفيذه.

في النهاية، يجب أن تقوي الحكومة الفدرالية الجماعات المحلية وتسمح لها باستلام زمام الأمور لمحاربة التطرف في الولايات المتحدة، ومن خلال الجمع بين مبادرات محلية وأدلة وطنية واضحة حول المقاربات الفاعلة، لن تكون محاربة التطرف مهمة مستحيلة بقدر ما توحي به، ووفق دراسة شملت 750 شخصاً من الأهالي ومقدّمي الرعاية مثلاً، تبيّن أنهم يحتاجون إلى تخصيص سبع دقائق فقط للقراءة كي يحسّنوا طريقة فهمهم لظاهرة انتشار الأفكار المتطرفة عبر الإنترنت.

يستطيع الأهالي ومستشارو الصحة النفسية والمعلمون والمدربون أن يتعلموا كيفية رصد المؤشرات التحذيرية التي تنذر بالتطرف، وتستطيع المكتبات والمدارس العامة أن تبتكر برامج لمحو الأمية الإعلامية، فيصبح الناس أقل عرضة للتلاعب حين يستخدمون الإنترنت، كذلك، قد تزيد حكومات المدن استثماراتها في برامج تحسين المجتمعات لتقوية التماسك الاجتماعي، ويستطيع الباحثون أن يقدموا التوجيهات اللازمة حول الدروس المستخلصة.

لكن لضمان نجاح هذه المقاربة، تحتاج المجتمعات المحلية إلى التمويل وإلى أفكار مبتكرة ونماذج مبنية على الأدلة للبرامج المرتقبة. سيكون الدعم الفدرالي عاملاً أساسياً لتحقيق هذه الأهداف كلها، لكن إلى أن تعترف الحكومة الفدرالية بأن التطرف مشكلة مرتبطة بالصحة العامة وتدرك ضرورة معالجتها محلياً وبطريقة شاملة، ستجد الولايات المتحدة صعوبة في خوض المعركة الراهنة ضد التطرف إذا أصرّت على استعمال أدوات الأزمات الماضية.

● سينثيا ميلر إدريس - أتلانتيك

back to top