فاروق الفيشاوي... «برنس السينما المصرية» (6- 10)

بطل «الباطنية» يصدم جمهوره: كنت عبداً للهيرويين!

نشر في 13-05-2021
آخر تحديث 13-05-2021 | 00:00
حقّق الفنان فاروق الفيشاوي رقماً قياسياً في السينما، وقدًم خلال الثمانينيات مجموعة من أهم أفلامه وأعماله الدرامية، وفتح الأبواب أمام ابنه «أحمد» لدخول عالم التمثيل، وأثبت نجله «الولد الشقي» أنه من أفضل فناني جيله، وأثار اهتمام الشارع المصري بموهبته وقضيته الشهيرة مع زوجته هند الحناوي، وحمل وصية من والده برعاية حفيدته «لينا»، وظهر الابن الثاني «عمر» ليكشف كواليس الحياة الخاصة لأسرة الفيشاوي.. وتوالت التفاصيل في حياة برنس السينما المصرية.

أدرك فاروق الفيشاوي منتصف رحلة التألق والنجومية في عام 1987، وجاء الاعتراف الصادم الكبير في حياته، ليعلن بقوة وجرأة لم يصل إليها غيره أنه كان مدمناً للهيرويين، بل صارح الجمهور بتفاصيل رحلة إدمانه وشفائه من خلال حوار صحافي طلب بنفسه أن يجريه مع الكاتب الصحافي الكبير صلاح منتصر، ليتحدث فيه عن هذه التجربة الصعبة، كي يحذِّر من خطورة الإدمان ويحمي الشباب من هذا الشبح القاتل.

اقرأ أيضا

تحت عنوان «كنت عبداً للهيرويين» وخلال حواره مع الصحافي الكبير صلاح منتصر اعترف فاروق الفيشاوي بتعاطيه السم الأبيض، ونشرت هذا الحوار مجلة «أكتوبر» المصرية بتاريخ 13 ديسمبر عام 1987، وتطرق فيه إلى تفاصيل حياته خلال تسعة أشهر كاملة كان فيها عبداً ذليلاً للهيرويين، وإلى دور زوجته وقتها الفنانة سمية الألفي في مساعدته على التعافي، وكان عمره حينها 37 عاماً، وفي أوج تألقه الفني، كأحد فتيان الشاشة، وواحد من ألمع نجوم الصف الأول.

التجربة المدمرة

في الموعد المحدد بين الفيشاوي ومنتصر كان جرس الباب يرتفع عالياً معلناً وصول الأول، وقبل أن يسرد حكايته، استهلها بقوله إن «قضية المخدرات والهيرويين بالذات، أخطر كثيراً مما نتصوّر، ولن نستطيع مواجهة هذا الخطر بغير معرفة كل أبعاده، والمصارحة بكل أسراره، فهذه الاعترافات ليست مجموعة حكايات للتسلية، وإن كان قد كتب عليّ أن أخوض جحيم التجربة وكتبت لي النجاة منها بفضل الله وفضل وقفة زوجتي (سمية الألفي آنذاك)، الصديقة والأم والحبيبة بكل مشاعرها المخلصة».

أدرك الفيشاوي أن رأسمال الفنان هو حب الجمهور، وكان إساءة إلى هذا الحب ما ارتكبه من خطأ، وعليه أن يستعيد كل ما كان يُقال له من نصائح، ويحاوله معه الذين يحبونه لإنقاذه، وفي الوقت نفسه يتذكر أنه رغم كل ما كان يحاوله البعض معه فإنه لم يكن يرى سواه، ولم يكن يحلم بغيره، ولم يكن يمتلك تفكيره شيئاً آخر عداه.. إنه وحش غريب، خطير، مرعب، هذا المسمى بالهيرويين... كل الناس كانت تتضاءل ويبقى وحده الكبير أمام عينيه.. كل الأحلام كانت تختفي وليس في خياله سواه.

ومن المعروف أن حدقة العين تلتقط وتسجل كل صورة ننظر إليها... ولكن عين المدمن مختلفة، وتنظر إلى آلاف الصور، وآلاف الناس، بينما لا ترى سوى صورة جرعة الهيرويين وحدها التي تحتل كامل حدقة العين ورؤيتها.

والمفارقة أن أول ظهور حقيقي للفيشاوي في السينما كان في فيلم «الباطنية» عام 1980، الذي تدور أحداثه حول تجارة المخدرات، ولكن اعترافاته الجريئة كانت تصلح لسيناريو جديد حول هذا العالم، ولعلها ستكون أكثر واقعية وتأثيراً، وترتكز على المواجهة المباشرة في سرد التجربة، وتأجل ظهور هذا المشروع السينمائي حول فنان شهير سقط في بئر الإدمان.

الدخان الأزرق

بدأت قصة النجم الوسيم مع المواد المخدرة منذ صغره، فقد كان يعيش أكبر من سِنه، ويندفع إلى مواجهة مخاطر التجربة، وفي مشوار تجاربه تعاطى «الحشيش» لكنه لم يتحمله بسبب الجو المغلق الخانق الذي يحيط به، وانقطع تماماً عن جلسات «الدخان الأزرق».

وذات يوم في عام 1986، قدّم له أحد الأشخاص خارج الوسط الفني، نوعاً اسمه كواديين فوسفات (Codeine Phosphate) عبارة عن بلورات صغيرة بيضاء، وقبل ذلك كان يسمع عن الكواديين كدواء أو مادة تدخل في تركيب دواء يُستخدَم كشراب في علاج السعال الشديد، لكنه مستخدمٌ في الأدوية بنسبةٍ مخففة، وإن كان ذلك لم يمنع بعض الذين أدمنوه من حرمان المرضى الحقيقيين الذين هم في حاجة إليه، باستيلائهم على زجاجات الكواديين من الصيدليات ليشربوها، ما كان من نتيجته وضع الكودايين في قائمة الممنوعات وحرمان المرضى منه، وهذا العقار نوع نقي ومُركز، لا يُشرّب ولكن يستخدم فقط بطريقة «الشم».

تفاصيل التجربة المدمرة، بدأت بعد أول مرة تعاطى فيها الكودايين، وشعر بنشوة إلى حد ما، ولكن الشيء الغريب أنه بعد انسحاب مفعوله بدأت تظهر عليه آلام مغص شديد وإسهال، كان من الضروري لكي يعالجها أن يستخدم الكودايين، ولكن بعد انسحاب مفعول الشم، دخل في دوامة جعلته مدمناً، كما أن له تأثيراً كبيراً في أن يجعل المتعاطى يتكلم كثيراً، ويظل مستيقظاً لأطول وقت ممكن. واستطاع الفيشاوي أن يقلع عن تعاطيه بعد عشرين يوماً.

الشبح القاتل

تتابعت رحلة الشهور التسعة، وسافر الفيشاوي إلى أميركا، لتصوير فيلم في لوس أنجلس، ورفض أن يصحب معه «الكودايين» وتحمل الآلام التي هاجمته بقسوة، وحدثت أزمة مع المنتج وقرّر تأجبل التصوير، وخلال فترة إقامته في الولاية الأميركية، تعرف بعدد كبير من المصريين، وطارده شبح الإدمان القاتل من جديد، وتعاطى «الكوكايين» العدو الأول الذي يواجه الولايات المحدة ويهدد شبابها.

وظهرت على الفيشاوي أعراضٌ أكثر خطورة، فهذا المخدر يجعل الإنسان في حالة يقظة، ويمكن أن يستمر من دون نوم لمدة عشرة أيام، ولكنه لم يستخدمه فترة طويلة، وعرف أن تأثيره رهيب على الجهاز العصبي، وأنه يجعل المتعاطي دائماً عصبياً ومندفعاً.

وعاد إلى مصر سعيداً لأنه شفي أولاً من استخدام الكودايين، وقرّر ألا يعود إليه، وأيضاً من الكوكايين الذي أراد بعض المصريين أن يحتفوا به في أميركا من خلاله، ومشكلة الفنان أن الذين يحبونه من الجمهور يريدون أن يجاملوه في الخير والشر أيضاً، وكما قدّم له أحد المعجبين «الكودايين» للمرة الأولى، قدّم له المعجبون في الولايات المتحدة الكوكايين.

وكان الفيشاوي على موعد مع أصعب تجاربه في بئر الإدمان، وبدأت تفاصيلها في فبراير 1987، عندما قابله أحد الأشخاص، وأعطاه «شمة هيروين» ودفعته غريزة حب التجربة إلى تعاطي أول جرعة، وكان تأثيرها أقوى من أي مخدر آخر، وجعلته مستيقظا ليوم كامل! وبعدها هاجمته آلام شديدة في جميع أجزاء الجسم، وبدأ إدمانه للسم الأبيض بشكل منتظم.

كان هناك شبح يطارده، ويناديه في أعماق نفسه بصوتٍ عالٍ، ويدفعه للبحث عن الرجل الذي أعطاه أول جرعة من الهيرويين، وبرغم الآلام التي عاناها، وافق على شراء السم الأبيض، وكان ثمن الجرعة 180 جنيهاً، وبعد شهر أصبح ثمنها 200، ثم 250 ثم 300 جنيه، وكان يستهلك غراماً واحداً يومياً، وبعد شهرين وصل استهلاكه إلى غرام ونصف، وفي آخر شهرين غرامين.

غيبوبة السجين

قطع الفيشاوي شوطاً كبيراً في طريق ضبابي، وصار سجيناً خلف أسوار عالية، ورفض كل الأفلام التي كانت تُعرض عليه في تلك الفترة، لخوفه من تعارض مواعيد العمل في الاستوديو مع مواعيد نومه، وحينها كان ينام في الثامنة أو التاسعة صباحاً، فوجد أنه لن يستطيع تعاطي الهيرويين، وانزلق إلى عزلةٍ لا تنتهي، واستسلم لغيبوبة لا يريد الإفاقة منها، وقامر بما حققه من نجومية وشهرة، وظهرت أعراض الإدمان على ملامحه وهيئته، من دون أن يستطيع الفكاك من التأثير الطاغي لجرعة السم الأبيض.

واتجه النجم السينمائي إلى المسرح، لأن مواعيده لا تتعارض مع تعاطيه «جرعة الهيرويين»، وقام ببطولة مسرحية «شباب امرأة» المأخوذة عن النسخة السينمائية التي أخرجها صلاح أبوسيف عام 1956، وشاركت في المسرحية فيفي عبده وتحية كاريوكا (بطلة الفيلم أيضاً) وحمدي أحمد ومحمد متولي.

واستمر العرض على مدار شهري سبتمبر وأغسطس عام 1987، وكان الفيشاوي يتقاضى نسبة من إيراد الشباك تصل إلى ثمن جرعة «الهيرويين» التي يتعاطاها يومياً، وكان يمثل كل ليلة من أجل الحصول على المال اللازم لشراء السم الأبيض، وأيام كثيرة كان إيراده أقل من المبلغ الذي يبدده من دون توقفٍ، بل تمادى في تجربة كادت أن تفضي إلى مأساة، وأشار عليه ندماء السوء أن يجرب التعاطي بطرق أكثر تأثيراً وسريعة المفعول، وبعد زوال أثرها، تتركه في صراع مع آلام جسدية لا تُحتمل.

صار الفيشاوي بطلاً في فيلم سوريالي، لا يستطيع التخلص من عبوديته للهيروين، بسبب فقدان الجسم أية مقدرة على ذلك، فالسم الأبيض يجعل من يستخدمه مستيقظاً لوقت طويل، ويبدأ الصراع بين رأس لا ينام وجسد متعب ويريد الراحة ولكنه لا يحصل عليها، بالتالي يحدث الانفصال بين الاثنين، فالرأس تغذيه المادة المنبهة الموجودة في الهيرويين والجسم منهار تماماً!

وتبدلت حياة النجم المتألق، وبات على حافة الانهيار، والهيرويين لا يترك له فرصة التفكير في أضراره، ولكنه أفاق ليحكي تجربته مع الكودايين والكوكايين، «هما من فصيلة واحدة ولكن الهيرويين شيء مختلف تماماً»، وما أكثر الذين كانوا ينصحونه بعدم تعاطيه، ولكن الكارثة أنه لا يرى غيره.. كأن له عيوناً تحدق فيه أينما ذهب، وصارت مشكلته الوحيدة أن يضمن وجوده دائماً، وتبدل برنامجه اليومي، وأصبح لا ينام إلا في وقت الضحى، ويستيقظ قرب الغروب، ويضبط مواعيد عمله لتتوافق مع «جرعة الهيرويين»!

رحلة العلاج

مضت رحلة الفيشاوي مع الإدمان إلى ذروتها، وامتد تأثيره المدمر إلى حياته الأسرية، وحاولت زوجته ـ آنذاك ـ الفنانة سمية الألفي أن تساعده في تخطي هذه المحنة، وذات مرة اصطحبته إلى أحد الأطباء، واتفق معه الطبيب على أن ينتقل هو وزوجته إلى أحد الفنادق للإقامة هناك، وبدء نظام علاجي على أساس تقليل الكمية التي يتعاطاها تدريجياً.

كان ذلك في يونيو عام 1987، بعد أن سار أربعة أشهر في طريق الهيرويين، ولكن نتيجة هذا العلاج كانت مخيبة للآمال، وبعد أن كان يستهلك غراماً واحداً يومياً، أصبح يستهلك غراماً ونصف الغرام، ثم غرامين ثمنهما 600 جنيه، وكانت أسباب الفشل أن الفيشاوي لم يكن يريد وقف إدمانه، ووقع تحت تأثير النداء الرهيب لوحش كاسر له قفازات حديدية وعيون تحاصره في المسرح والبيت وكل مكان، وكان يفرح بنزول الستار عن الفصل الأول أو الثاني ليجري مسرعاً إلى حجرته، ويوصدها من الداخل حتى لا يقتحم عليه أحد صومعته ويعطل لقاءه مع «جرعة الهيرويين»، وشيئاً فشيئاً وجد نفسه يعتزل الحياة!

أصعب اختبار مع فاتن حمامة

التقى فاروق الفيشاوي، في أكثر من عمل، الفنانة فردوس عبدالحميد، ومنها المسلسل الاجتماعي «أبنائي الأعزاء شكراً» (1979)، سيناريو عصام الجنبلاطي وإخراج محمد فاضل، وشارك في بطولته نجم الكوميديا عبدالمنعم مدبولي ويحيى الفخراني وآثار الحكيم وصلاح السعدني، وحقق العمل نجاحاً كبيراً.

وفي عام 1984، التقى فاروق وفردوس مُجدداً مع المخرج محمد فاضل في مسلسل «ليلة القبض على فاطمة»، قصة الأديبة سكينة فؤاد، وواجه البطلان اختباراً صعباً، حيث عُرِض المسلسل بعد فيلم يحمل الاسم نفسه، للمخرج هنري بركات وبطولة سيدة الشاشة فاتن حمامة والنجم شكري سرحان وصلاح قابيل ومحسن محيي الدين.

لعب الفيشاوي دور الشقيق الانتهازي الذي جسّده صلاح قابيل في الفيلم السينمائي، وتقمصت فردوس عبدالحميد شخصية «فاطمة» التي جسّدتها فاتن حمامة، ورغم نجاح الشريط السينمائي، فإن المسلسل حقق صدى جماهيرياً كبيراً هو الآخر، ويعد من أهم الأعمال الدرامية المميزة التي قُدِمَت في فترة الثمانينيات.

القاهرة – أحمد الجمَّال

تصويره فيلماً في لوس أنجلس انتهى بتعاطيه «الكوكايين»

«شمة هيرويين» جعلته مستيقظاً يوماً كاملاً ليبدأ إدمان السم الأبيض

بطل «شباب امرأة» يبدّد إيرادات المسرحية مقابل «جرعة»

النجم المدمن هرب من برنامج العلاج إلى «الصومعة»
back to top