القفزة الهائلة للسيارات الكهربائية... تحدٍّ صعب لدول الخليج

• تهدد الطلب على ربع الإنتاج العالمي من النفط
• توجُّه عالمي لافت نحو الطاقة النظيفة والمشاريع الخضراء

نشر في 06-05-2021
آخر تحديث 06-05-2021 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
شهد قطاع السيارات الكهربائية في الآونة الأخيرة نمواً لافتاً على مختلف الصعد، لاسيما المبيعات والإنتاج وحتى الإجراءات الداعمة لهذا النوع من السيارات.

فخلال الربع الأول من العام الحالي ارتفعت مبيعات تلك السيارات بشكل متسارع بنسبة 140 في المئة، مع تركّز لافت في الطلب من أسواق الصين وأوروبا والولايات المتحدة، في وقت أعلنت أكثر من شركة سيارات تقليدية تعمل بالوقود التقليدي -البنزين والديزل- توجهها نحو إنتاج سيارات كهربائية بشكل كلي أو جزئي بحلول عام 2030 أو 2035 على أبعد تقدير؛ كان آخرها فولكسفاغن الألمانية التي انضمت لمجموعة من شركات السيارات الأوروبية مثل فولفو وجاغوار وأودي وغيرها، إلى جانب الشركة المتخصصة أصلا في صناعة السيارات الكهربائية "تيسلا" الأميركية، وحتى شركة أبل أعلنت مطلع هذا العام توجهها نحو إنتاج صناعة سيارة كهربائية ذاتية القيادة.

وفي الربع الأخير من عام 2020 سجلت السيارات الكهربائية أرقاما لافتة على صعيد المبيعات، إذ تراجعت مبيعات السيارات العاملة على الوقود بنسبة 33.7 في المئة، في حين انخفضت مبيعات مركبات الديزل بنسبة 23 في المئة.

وسجلت مبيعات السيارات الكهربائية نمواً بنسبة 217 في المئة، بينما ارتفعت السيارات الهجينة القابلة للشحن بنسبة 331 في المئة.

دعم

أما على صعيد الإجراءات الداعمة، التي تسهّل اقتناء السيارات الكهربائية ولا تجعلها خاصة بالأثرياء، فكان لافتا انخفاض أسعار بطاريات شحن السيارات الكهربائية مع تطور التكنولوجيا، التي تجعلها أبسط وأقل تكلفة، إذ أنتجت عدة شركات صينية، أخيرا، سيارات كهربائية بسعر يصل إلى 5 آلاف دولار، مع العلم بأن الصين تقدّم دعما سنويا لمحطات شحن بطاريات السيارات الكهربائية بحدود 20 مليار دولار، فضلاً عن تشددها بشأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بينما تضخ الحكومات الأوروبية مليارات اليورو من المساعدات والدعوم لشراء سيارات صديقة للبيئة، يتراوح سعرها بين 9 آلاف يورو في ألمانيا و12 ألفا في فرنسا على شكل تمويلات ومنح، في وقت تتشدد مدن أوروبية مثل بروكسل وروما وباريس في ضوابط دخول المركبات الملوثة للبيئة اليها.

خطر

ويشكل نمو السيارات الكهربائية خطرا واضحا على العديد من الدول المصدرة للنفط، لاسيما الخليجية، التي تعتمد على الايرادات النفطية في موازناتها بنسب لا تقل عن 70 في المئة، وصولا الى الكويت التي يتجاوز الاعتماد فيها على ايرادات النفط 90 في المئة، خصوصا اذا علمنا ان السيارات التقليدية تستهلك ما يصل الى ما بين 20 و25 في المئة من الانتاج العالمي من النفط، وبالتالي فإن نمو الطلب على السيارات الكهربائية ومعها السيارات الهجينة سيفضي الى انحسار الطلب على النفط، وقد تتوسع فكرة السيارات الكهربائية او الهجينة الى حافلات او قطارات او طائرات كلها كهربائية او هجينة، مما يزيد الضغط على النفط، وبالتالي دول الخليج التي تعتمد عليه.

وحسب تقديرات لمصنعي السيارات الأوروبيين فإنه بحلول عام 2030 ستستحوذ السيارات الكهربائية على 15 في المئة من اجمالي مبيعات سيارات حول العالم، وفي 2040 ستصل النسبة إلى 35 في المئة من اجمالي مبيعات سيارات حول العالم، مما يرفع في النهاية مخاطر الاعتماد على النفط وأسعاره لتمويل الميزانيات.

تحولات

بالطبع، تتزايد مخاطر الدول الخليجية النفطية إذا ربطنا مسألة النمو اللافت في سوق السيارات الكهربائية، مع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة وظهور ما يعرف بالوجه الأخضر لشركات النفط العالمية التقليدية، خصوصا توتال ورويال داتش شل وبريتش بتروليوم، التي أعلنت فعليا عن استثمارات بمليارات الدولارات في مشاريع الطاقة النظيفة، تزامنا مع اتجاه عالمي لحماية المناخ عبر فرض الضرائب البيئية على رحلات النقل والطيران وإعادة تسعير الانبعاثات الكربونية، فضلاً عن سوق متنامٍ لتمويل هذا النوع من المشاريع يعرف بالسندات الخضراء، وكذلك دعم مشروعات الطاقة المستدامة للنفايات والنقل النظيفة وإنشاء المدن البيئية الجديدة.

ولعل فوز الرئيس الأميركي جو بايدن ساهم أيضا في تعزيز الاتجاه وتسليط الضوء أكثر على قضايا المناخ والبيئة والاستثمارات الخضراء والتحول نحو الطاقة المتجددة، وهي مفاهيم تصب ايضا في صالح صناعة السيارات الكهربائية وتدعمها كخيار مفضل لدى المصنعين والمستهلكين.

منافسة

وتحدي نمو سوق السيارات الكهربائية لمنتجي النفط، خصوصا الخليجيين، يضاف الى مجموعة من التحديات الاقتصادية، منها الموضوعية التي تواجه دولنا، فالنفط الذي يواجه حربا شرسة مع تنامي اتجاهات الطاقة النظيفة يشهد كذلك منافسة في أسواقه الكبرى بعد دخول النفط الأميركي في منافسة نظيره الخليجي في الأسواق الآسيوية، فضلاً عن الصدمات التي سببها "كوفيد 19" على الطلب العالمي على النفط، ومنها تحديات ذاتية تتعلق بعجز خليجي في التعامل مع ازمات انخفاض أسعار النفط، اذ إن معظمها يركز على معالجة سياسات الإنفاق على المدى القصير عبر تغطية الالتزامات بالديون، ويكرر نفس أخطاء سياسات الفورة المالية، بل إن بعضها مثل الكويت تتجه فورا لاستنزاف الفوائض المتراكمة لسداد فواتير الانفاق على المدى القصير.

ولا شك في أن نمو السيارات الكهربائية وتصاعد حصتها في الأسواق لا يزال يواجه العديد من التحديات، مثل انخفاض أسعار النفط وارتفاع تكاليف إعادة الشحن لدى العديد من المنتجين، وكذلك تحسن كفاءة استهلاك الوقود لدى السيارات التقليدية، لكن في المقابل لا يمكن التغافل عن دخول السيارات الكهربائية كمنافس او بديل لنظيرتها التقليدية.

لقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تحولات وتغيرات سريعة ومدهشة، ربما كانت الأسرع في تاريخ البشرية، وعلينا كمتضررين من بعض هذه التحولات لاسيما في مجالات الطاقة النظيفة وتطورات التكنولوجيا أن نبدي مرونة أكبر في التعامل مع التحديات الجديدة قبل أن ندفع ثمن عدم فهم التطورات السريعة في العالم.

نمو الإجراءات الحكومية الداعمة لاقتناء السيارات الكهربائية لاسيما في أوروبا والصين

التطور التكنولوجي دعم انخفاض أسعار بطاريات الشحن

في عام 2030 يتوقع للسيارات الكهربائية أن تستحوذ على 15% من مبيعات السيارات و35% في 2040
back to top