عِقْد المأزق السوري... كيف الخروج؟

مر عقد على اندلاع الصراع في سورية وحصليته مذهلة، فقد قُتل أكثر من نصف مليون شخص، ربعهم من المدنيين، وأكثر من نصف سكان سورية قبل الحرب البالغ عددهم 21 مليون نسمة، إما أصبحوا لاجئين أو نزحوا داخل البلاد، بالتساوي تقريباً، ومعظم أطفال سورية ضاعت منهم سنوات من التعليم والنمو الاجتماعي الطبيعي ويعيشون في فقر دون خدمات ملائمة، ولا يوجد نهاية في الأفق.

ومنذ البداية كان من الواضح ألا خير في سفك دماء دون توقف، وبعد مرور عام على الحرب كتبت أقول «سورية تواصل نزولها الطويل البطيء إلى الجحيم مع عدم ظهور بوادر على تراجع العنف والمأساة، لقد اتضح حتى الآن أنه لا يوجد جانب يمكنه تحقيق نصر سهل مما يؤكد القول المأثور (الذي تعلمناه من حرب لبنان الطويلة) «لا يوجد منتصر ومهزوم».

وانتقدني بعض أصدقائي من مؤيدي المعارضة لأنني لم أنضم إلى دعوتهم التي تطالب بالمزيد من التورط الأميركي، فقد أرادوا أن تفرض أميركا منطقة لحظر الطيران منعاً لقصف مناطق المدنيين السوريين وأرادوا أيضاً تقديم المزيد من السلاح للمعارضة، ولم يدركوا أن البنتاغون، بعد انسحاب أميركا من تورطها الكارثي في العراق، لم يعد مستعداً لتوريط نفسه في حرب أخرى لا يمكن الفوز بها، وبعد أن أصبحت سورية ملعباً بالفعل لقوى عالمية إقليمية- وتحديداً روسيا وتركيا وإيران- فإن أي تعزيز للدعم لأحد الطرفين سينتهي بالإسراع في تعزيز دعم الطرف الآخر.

وفي وقت مبكر من الصراع، تحدثت في مناسبتين مختلفتين عقدهما سوريون أميركيون، واندهشت من البون في تصور الجماعتين لما يحدث في بلادهم، فقد احتفت مجموعة بشجاعة المعارضة، في حين كانت الجماعة الأخرى، رغم عدم تأييدها للحكومة السورية تعبر في الأساس عن خوفها من المعارضة، فقد عبر كثيرون من العلمانيين والمسيحيين أو الأقليات الأخرى، بعد أن شهدوا تفكك العراق واستمعوا إلى خطاب جماعات المعارضة المتطرفة، عن خوفهم مما قد يعقب سقوط السُلطة، ولم تفلح محاولتا التوفيق بين الجانبين أملاً في أن يتفهم كل جانب مخاوف الجانب الآخر، فقد رأى كل جانب أن انتصاره هو النتيجة المقبولة الوحيدة وأن هذا الانتصار سيتحقق مع مزيد من الوقت والدعم.

وقبل عشر سنوات، تصورت أربعة احتمالات قد تحدث في سورية:

الأول، أن تعيد الحكومة السورية ترسيخ سيطرتها.

والثاني، أن تكون هناك حرب أهلية طويلة الأمد ومدمرة مع تورط أطراف خارجية لدعم طرفي النزاع.

والثالث، أن تسود هدنة قلقة تؤدي إلى تسوية مؤقتة.

والرابع، أن يكون هناك حل تفاوضي دون منتصر أو منهزم وأن تسير سورية في طريق نظام اجتماعي جديد.

والآن، تقف سورية بين الاحتمالين الثاني والثالث، فهناك واقع حال هش تقل فيه الاشتباكات لكنه مازال عرضة للانفجار، ففي حين يسيطر النظام على كثير من البلاد التي أصبح الدمار فيها شائعاً الآن، فإن هذه السيطرة تستند إلى حد كبير إلى دعم خارجي، وتركيا تحتل أجزاء من شمال سورية وتقدم الدعم لجماعات مسلحة متطرفة. والولايات المتحدة، مع القوات الكردية وقوات المعارضة السورية، تسيطر على مناطق في الشمال الشرقي بما في ذلك حقول سورية النفطية الرئيسة، وإسرائيل تستغل المواقع التي سيطر عليها الإيرانيون لتختبر مدى فتك أسلحة حصلت عليها حديثاً من أميركا.

وتسعى عدة دول عربية، بعد أن أدركت دخول الصراع طريقاً لا مخرج منه، إلى إعادة إدماج سورية والأسد في الإطار العربي، ولو من أجل تحرير البلاد من قبضة التدخلات الإقليمية فحسب، وتفضل هذه الدول، فيما يبدو، الوقوف إلى جانب روسيا، حليف سورية القديم، ورغم الأدلة الواضحة على عدم قدرة أحد على الفوز في الصراع، مازالت الأطراف المتنازعة وحلفاؤهم لا يرغبون في المضي قدماً إلى الاحتمال الرابع، وهو التوصل إلى حل بالتفاوض يحمي الشعب السوري ومستقبل أطفال سورية ويعطي أولوية لهم.

قبل عقد من الزمن، طرحت السؤال التالي: «مَن يوقف نزول سورية إلى الجحيم؟»، وبعد عشر سنوات في الجحيم، فالسؤال اليوم هو «من ينقذ سورية من الجحيم؟».

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن

جيمس زغبي