«عباس محمود العقاد» والمرأة في نوادر البابطين

نشر في 01-04-2021
آخر تحديث 01-04-2021 | 00:07
 خليل علي حيدر للأديب الكبير "عباس محمود العقاد" عدة كتب عن المرأة، عرض المجلد 19 من "نوادر النوادر من الكتب" من مكتبة عبدالكريم البابطين، أحدها وهو الأقدم، وعنوانه "الإنسان الثاني أو المرأة".

يعرض "العقاد" في كتابه آراءه الشديدة الانتقاد للمرأة، التي كان يؤمن بها عام صدور الكتاب في بداية القرن العشرين سنة 1912، ولو كان بيننا في هذا القرن فلربما ظل متمسكا بها، حيث ازداد تشددا في هجاء المرأة، وبخاصة أنه لم يكن متزوجا، حتى وفاته عام 1964 في القاهرة، ودفن لاحقا في أسوان.

اشتهر العقاد بعدائه لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وكان يتهم المرأة بأنها "تخاف وتكذب وتحتال وتخدع" منذ الأزل! وأن "وراءها عشرين ألف عام من التراث".

(ماذا يبقى من العقاد، سامح كريم، بيروت، 1978، ص200).

قرأ العقاد على الأرجح الكثير من الأعمال الفلسفية والاجتماعية الغربية، وبقي في فكره محافظاً، نظريا، مثاليا، روحانيا في الغالب!

يقول سامح كريم عن فكر العقاد: "باختصار فلسفة العقاد قوامها الإيمان بالروح والاحتفال بالمثل الأعلى والاعتزاز بكرامة الإنسان، والشعور بالحاجة إلى التغيير في المحور والأساس، والدعوة الى التعاطف والتفاؤل والسلام.

فهو يؤكد في أكثر من موضوع من بحوثه ودراساته ومقالاته بل بعض كتبه كاملة.. أن الروح هي حقيقة الوجود وأن الجوهر والباطن هو الأصل الكامن وراء البادي والظاهر: "والدنيا روح نلمسها بيد من المادة فالروح هي الحقيقة والمادة هي وسيلة الاحساس بها".

ويقول: "إنما ساء الأقدمون فهم المادة والروح معا فوضعوهما موضع النقيض وجعلوا المادة كثافة لا حركة فيها وجعلوا الروح لا كثافة فيها".

وقد اختار "العقاد" من الفيلسوف الألماني "شوبنهاور" عداءه المعتق للمرأة، وترك تشاؤمه الذي كان من أركان فلسفة "شوبنهاور" بعد "الإرادة" وكان العقاد كأغلب المفكرين في ثقافتنا، "انتقائيا" يتحمس للحقائق أو التوجهات التي تتماشى مع آرائه ونظراته في الحياة، ولا يقف بعمق، كبعض النقاد والفلاسفة الغربيين أمام ما يتعارض معها "كبرتراند راسل" مثلا، ولكن كانت كذلك للعقاد كما هو معروف مواقف بالغة الشجاعة في قضايا عديدة، وأكبرها في رأيي وقوفه ضد النازية وألمانيا النازية، وسط إعجاب عربي وإيراني وإسلامي كاسح، وسط انتصارات آلته الحربية في أوروبا وروسيا وشمال إفريقيا وكثرة مناصري النازية في العراق وسورية ومصر وكل مكان، وكذلك وقوفه ضد ستالين والاتحاد السوفياتي كما وضع كتابا بعنوان "الحكم المطلق في القرن العشرين"، يدافع فيه عن الحكومات النيابية ويهاجم الاستبداد ويبين مثالب الطغيان.

غير أنه لم ير أي استبداد في العلاقة بين المرأة والرجل! ففي كتابه الثاني عن المرأة، بعنوان "المرأة في القرآن الكريم"، سنة 1959، ذهب إلى أن تفضيل الرجل على المرأة صفة "مستحقة بتفضيل الفطرة، ثم بما فُرض على الرجل من واجب الإنفاق على المرأة، وهو واجب مرجعه الى واجب الأفضل لمن هو دونه فضلا، وليس مرجعه الى مجرد إنفاق المال، وإلا لامتنع الفضل إذا ملكت المرأة مالاً يغنيها عن نفقة الرجل أو يمكنها من الإنفاق عليه".

(المرأة في القرآن الكريم، ص7).

ولم يعر العقاد كبير انتباه الى ما تقوله الاحصائيات والدراسات الاجتماعية الحديثة كالتي كانت تجري في أميركا ولم يكترث بفحوى التحولات الاجتماعية الكبرى في العلاقة بين الجنسين حتى في العالم العربي بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.. وغير ذلك.

ويقول "العقاد" ان الرجل يتفوق على المرأة حتى في المجالات التي انفردت بها منذ القدم، كالطهي والخياطة، "فالمرأة تشتغل بإعداد الطعام منذ طبخ الناس طعاما قبل فجر التاريخ، وتتعلمه منذ طفولتها في مساكن الأسرة والقبيلة.. ولكنها بعد ثورات هذه الصناعة آلاف السنين لا تبلغ فيها مبلغ الرجل الذي يتفرغ لها بضع سنوات، ولا تجاريه في إجادة الأصناف المعروفة". (ص9).

ويتساءل القارئ هل يقصد "العقاد" هنا كدح الزوجة وسيدة المنزل، و"ست البيت" في مجتمعات المشرق التي تقوم بأعمال الطهي ضمن التزامات أخرى تفرضها الحياة الزوجية والعناية بالأطفال والعمل في الحقل أو المكتب وغير ذلك، أم أن العقاد يقصد كذلك النساء اللواتي يشرفن أو يقمن بالطهي كحرفة في المطاعم والفنادق الكبرى ومحترفات الطهي لأغراض تجارية كما نرى اليوم في بعض المنازل بالكويت؟! وأرى الكثير من التعميم والتحامل في الحالتين فيما يقول.

ولا تسلم السيدة "ماري كوري" Curie نفسها، من انتقاص "العقاد" لعطائها العلمي الذي نالت عليه مع زوجها بيير كوري جائزة نوبل مرتين 1903، 1911 ويقول عنها "العقاد" منتقصا مواهبها إنها "لا تعمل مستقلة عن زوجها، ولم يكن عملها من قبيل الاختراع والابتداع، إنما كان كله من قبيل الكشف والتنقيب". ويضيف "إن الاكتشاف ليس كالاختراع، وقصارى الاكتشاف أنه صبر على النظر، ثم إدمان النظر، الى أن ينكشف الشيء". ويقول العقاد إن المرأة "مجبولة على التناقض"، ويقول إن "من أخلاق المرأة الولع بالممنوعات"! ورغم أنه لم يتزوج أبدا، فإنه انبرى مدافعا في الوقت نفسه عن "تعدد الزوجات".

وربما لا يكترث "العقاد" بما يؤكده العلم من تفوق المرأة على الرجل في تحمل المرض والعيش أطول منه، وأن الأنثى هي الأصل في الكائنات وفي تكوين الإنسان حتى الذكر! فمدرسة العقاد، بما لها وما عليها، لا تزال قوية سائدة في الثقافة العربية والشرقية للأسف، وبخاصة وقد خدمتها موجة الإسلام السياسي، ولا تزال هذه الثقافة شديدة التمسك بالأفكار السائدة، قليلة الاهتمام بالأرقام والإحصائيات وتراكم الأبحاث في مئات وآلاف الجامعات والمراكز العلمية، كما تواصل في جنبات ثقافتنا الانحياز لقيم الذكورة والإعجاب بالقوة الجسدية والبطولة العسكرية. وكلها قيم يراها الكثيرون رائعة، ولكنها قد تكون قريبا غير متماشية مع عصر الذكاء الصناعي والإنسان الآلي وهندسة الجينات والنانو تكنولوجي وتطبيقات تكنولوجيا الفضاء وتطور الآليات ذاتية الحركة وأسلحة الليزر الموجهة.. وباختصار كل الحضارة القادمة خلال هذا القرن وما بعده!

في كتاب العقاد "الإنسان الثاني أو المرأة"، كما عرضه المجلد 19 من سلسلة مجلدات "نوادر النوادر من الكتب" من مكتبة عبدالكريم البابطين، يقول معد المجلد إن كتاب العقاد الصادر عام 1912 يتضمن تسع خواطر في المرأة وما يدور حولها:

الخاطرة الأولى، كما يقول "شوبنهاور" الألماني، إن "العصر خليق بأن يدعى عصر المرأة، حيث لا نرى إلا أثرا من آثارها حيث ذهبنا"، وبعكس "شوبنهاور" يرى العقاد أن عصرنا هذا "عصر شهوة" لا عصر المرأة!

غير أن في موقف العقاد الكثير من التحامل والتجاهل لواقع المرأة في الغرب، حيث شهدت مجتمعاته تغيرا ملموسا في مجال حقوقها الانتخابية والاجتماعية والمهنية وغيرها، وكذلك في واقع المرأة العربية وفي البلدان الإسلامية، وقد تضمن كتابا "قاسم أمين" (تحرر المرأة) 1899 و(المرأة الجديدة) 1900 نماذج لا يمكن تجاهلها من واقع المرأة في الريف والمدينة.

يقول قاسم أمين في كتابه "المرأة الجديدة" ما يلي: "وكل المصريين يعلمون أن النساء في الوجه القبلي بعامة كن محرومات من حقوقهن في التركات التي يرثن فيها بمقتضى أحكام الشريعة، وإن هذه الحال بقيت مستمرة الى أن دخل نظام المحاكم الأهلية في الصعيد، حتى أن بعض المديرين الذين أخذ رأيهم في تشكيل المحاكم الجديدة في الوجه القبلي كانوا يعدون من موانع تشكيلها أنها لو شكلت يكون من أحكامها أن يعطى النساء حقوقهن في التركات، وأن في هذا تغييرا كبيرا للعادات المتعبة في تلك البلاد!".

(قاسم أمين - الأعمال الكاملة، د.محمد عمارة، القاهرة 1989، ص458).

ولم يقتصر تأثير كتب قاسم أمين على مصر والعالم العربي، إذ ترجمت أعماله إلى الفارسية والتركية ونشرت بين مسلمي آسيا. وفي إيران ظهرت الترجمة لمترجم تحت الاسم "المستعار "مهذب"، يقال إنه في الواقع والد الشاعرة الإيرانية المعروفة "بروين اعتصامي"، أي الأستاذ "يوسف اعتصامي"، وكان شخصية أدبية معروفة يتقن الى جانب العربية التركية والفرنسية، ومن ترجماته الى الفارسية كتاب "قلائد الأدب في شرح أطواق الذهب" للزمخشري، ونشر في مصر قصة عن "ثورة الهند"، وترأس "مجلس الشورى" في إيران، ونشر فهارس مكتبتها، واصدر مجلة "نهار" الأدبية ابتداء من عام 1328هـ، 1910م، وظهر كتاب "تحرير المرأة" في ترجمته الفارسية بعنوان "زَنْ وآزادي"، وكتاب "المرأة الجديدة" بعنوان "زَنْ إمروز".

كتابا قاسم أمين اليوم بمثابة وثائق في التاريخ الاجتماعي العربي والإسلامي، ويحويان الكثير من أوجه وأمثلة معاناة المرأة المصرية وغير المصرية، كما أن محتويات الكتاب "تحرير المرأة" مدقق كما يقال من قبل الشيخ الإمام محمد عبده... إلخ. ولكن هل قرأ العقاد في زحمة اهتماماته كل ذلك بعناية ودرسها بإمعان؟ لا ندري!

وفي الخاطرة الرابعة يلاحظ العقاد أن الناس غير منصفين! فيقول: "لم يعهد في الناس أنهم يصدعون بالحق لأنه حق، أو يدينون بالإنصاف لصوابه، فالحرية الشخصية حق لا امتراء فيه، واحترام النساء أصبح فرضا على كل وجيه ووضيع". إلا أن العقاد يهاجم المرأة في "الخاطرة الخامسة" التي يسميها "نقائص المرأة" ويقول عنها إنها "اشتهرت بالرياء" ويقول عن طلب المرأة المساواة بالرجل "إن هذا الطلب عبث لا موجب له ولا يفيد".

ويقول المجلد 19 في عرضه لكتاب العقاد الأول عن المرأة، إنها لا تصلح أَمَة عبدة، ولا تصلح كذلك سيدة! ويعرض المجلد رأي العقاد كما يلي: "في الخاتمة يرى المؤلف أن المرأة لا يحق لها أن تكون سيدة كما هي اليوم، ولكن لا نرجعها لتكون أمَة كما في الأمس، فهي على ما فيها من ضعف الحول وقصور العقل، وضآلة الأخلاق، عليها ألا تخرج عما يناسب طورها إلى هذا الطور الذي نراه الآن، وأن ما نراه من الاحترام لها الآن هو احترام باطل". والأمر للقارئ!

خليل علي حيدر

back to top