وجهة نظر : جدوى العقوبات الاقتصادية... «النووي» نموذجاً!

نشر في 28-03-2021
آخر تحديث 28-03-2021 | 00:30
 د. عبدالسميع بهبهاني المتتبع لمشكلة المفاعل النووي الإيراني، خلال تسلسل أحداث إنشائه وانعكاساته على إنتاج النفط، يجد أن المؤشرات السعرية للنفط لم تتفاعل معها بصورة مباشرة، فكان من مواقف الدول الكبرى التي تملك القدرة النووية، أن أبدت اهتماما بالموضوع، والتي انعكست بصورة عقوبات واتفاقات.

بدأت المشكلة في أغسطس 2011 عندما فرضت على إيران عقوبة مقاطعة النفط الإيراني، وذلك بخفض إنتاجها من 3.8 ملايين برميل يوميا الى 2.7 مليون. وارتفعت حينها أسعار النفط الى أعلى من معدل 13 سنة، فوصل الى 115 دولارا لخام برنت، وفتحت «أوبك» حينها صنابير ضخ النفط الى أقصاه لتعويض النقص الإيراني.

وانخفضت الأسعار، ووصلت الى 33 دولارا لخام برنت. ففاق فائض المخزون العالمي بـ 700 مليون برميل تقريبا.

خلال فترة عقوبة المقاطعة، كانت هناك فرضية وصول النفط الإيراني الى أدنى من مليون برميل يوميا، بينما دلت المؤشرات على أن ذلك الانخفاض كان مبالغا فيه، ودلت المؤشرات الحقيقية حينها على أن إيران كانت تصدّر خلال فترة عقوبة المقاطعة نحو 2.8 مليون الى دول آسيا وأوروبا، وذلك للمرونة التي أبدتها إيران لزبائنها في عملة الشراء والدفع الآجل وتغيّر وسائل النقل، وطبّقت نظام الأوفست مقابل البرميل.

أوضح مؤشرات ذلك مشاريع أنابيب الغاز مع الهند وباكستان ومشاريع التكرير وتخزين الغاز المسال في كاشنج الصيني، 40 مليون برميل كمخزون عائم، وإنهاء مشروع الغاز المسال حقل «بارس»، واكتشافات جديده للغاز والنفط، وحدث كل ذلك في فترة المقاطعة، فأضحت عودة الإنتاج الايراني الى نحو 3 ملايين برميل خلال 3 أشهر من أغسطس 2015.

من تحليل هذا التسلسل التاريخي، يستطيع المتتبع أن يفرّق بين التضخيم الإعلامي والواقع الحقيقي، فسبّب هذا التناقض فقدان السوق توازن العرض والطلب. وظهرت سوق سوداء للنفط، وظهرت الحسومات السخية التنافسية لسعر البرميل بين دول «أوبك»، وتنوعت مشاريع التخزين للنفط التي أصبحت عقبة في توازن السوق النفطي وتعملقت.

ورحبت الصين، بكل غبطة، بهذه المرونة، فأرسلت بواخرها للنقل، وفرملت مصافيها، وأنعشت عملتها، وبنت علاقة تبادل تجارية تصل الى 600 مليار دولار للسنوات العشر القادمة، وأرست قواعد البنى التحتية لإيران، وربطت إيران بمشروعها العظيم «طريق الحرير» الذين خسرناه نحن ودول أخرى، خشية المقاطعة!

لم يشكل تطور الطاقة النووية الإيرانية، في حد ذاته، تحديا لنقص الإنتاج العالمي، وإنما كان المسبب، بدليل أنه عندما وقّع الاتفاق النووي 2015، بدأ السوق النفطي يعود الى توازنه، ومن ثم عاد دور «أوبك» في التحكم بتوازن السوق بين العرض والطلب.

غريب أن تعيد الولايات المتحدة تجاربها الفاشلة، فها هي تحاول أن تعيد الكرّة مع روسيا لمقاطعتها في أنبوب الغاز لأوروبا، ومناقشة المقاطعة الفاشلة على الصين في تفاوضها الحالي، وفرض المقاطعة للدول التي تحاول أن تطور بناها التحتية مع الصين، كالعراق والكويت ودول الخليج الأخرى. كان العامل الجيوسياسي هو المحرّك الأوحد للإدارة الأميركية السابقة، مما جعلها تتخلف في قبولها عالميا، بينما تتقدم الصين عليها تكنولوجيا، وإداريا، واقتصاديا، وتجاريا، لتستحوذ على إفريقيا وآسيا وفي طريقها الى أوروبا.

وتشير التوقعات الى أن النهج الأميركي سيتغير في الإدارة الجديدة، ومؤشرها المباحثات الجارية حاليا مع الصين، ومباحثات عودة شركات النفط الكبرى الى فنزويلا.

من وجهة نظري، أن العقوبات الاقتصادية التي تفرض لمنع إنتاج النفط أو تصديره، كنموذج سهل التحكّم فيه، أنشأ لنا أسواقا غير مكشوفة سبّبت كوارث اقتصادية غير متوقعة، وانهارت فيها دول، والأمثلة كثيرة، فهو أسلوب أثبت فشله، ولا تزال منظمة أوبك تملك القوة في تقليص الأثر الجيوسياسي الغامض على حركة أسعار النفط.

* خبير واستشاري نفطي

د.عبدالسميع بهبهاني

back to top