رياح وأوتاد: المعارضة في الميزان... وهل توجد معارضة في الإسلام؟

نشر في 08-03-2021
آخر تحديث 08-03-2021 | 00:10
 أحمد يعقوب باقر هناك فريق يرى أن المعارضة بجميع أشكالها جائزة في الإسلام، لأنهم يرون أن بعض الأنظمة والحكومات الحالية لا تحكم بشرع الله، وبعضها عطل أو انتهك كثيراً من حقوق الناس، واستفرد بعضها بالحكم وصادر الحريات، ونتائج أعمالها كارثية على بعض البلاد، لذلك فهذا الفريق يرى جواز معارضتها من أجل تغييرها بمختلف الوسائل وبالقوة أيضاً عندما تحين الفرصة، وبالتالي يؤيد هذا الفريق الانقلابات ويدعو الشعوب إلى الثورات مذكراً ومبالغاً بكل عيوب وأخطاء هذه الأنظمة.

في حين يرى فريق آخر أن المعارضة بمختلف أشكالها ووسائلها ما هي إلا محاولة ووسيلة لتغيير نظام الحكم، وبالتالي لا توجد معارضة في الإسلام وهي لا تجوز شرعاً، ويرى هذا الفريق أن المعارضة شكل من أفعال الخوارج لأن المسلمين يعيشون اليوم في دول إسلامية، ولم يظهر من الأنظمة الكفر البواح الذي يجيز هذه المعارضة، ويستشهد هذ الفريق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "إلا إن تروا كفراً بواحاً"، وامتدت رؤية بعض هذا الفريق إلى منع أي نقد علني للمسؤولين أو القوانين والقرارات بحجة أنه قد يؤدي إلى تشجيع الخروج المنهي عنه، ويستشهد هؤلاء بحديث "تسمع وتطيع للأمير وإن أخذ مالك وجلد ظهرك". (رواه مسلم)، وذلك لتبرير رفض أي شكل من أشكال المعارضة، كما يستشهد هذا الفريق بحديث ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أنهم سيرون بعده أثرة وأمورا ينكرونها من الأمراء فقال "أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم".

والصحيح أن مفهوم المعارضة تعبير سياسي حديث، ولو رجعنا الى معرفة الفهم السليم للاختلاف في الرأي والمعارضة لبعض القرارات الرسمية في الشريعة الإسلامية لوجدنا أن الحكم في الإسلام يتسع لبعض الأشكال مما يسمى اليوم بالمعارضة ويجيزها دون أشكال أخرى فيحرمها.

فالشورى هي أمر من الله تعالى، ومارسها النبي، صلى الله عليه وسلم، والصحابة وقد جاء في أحاديث الشورى في بدر وأُحد والأحزاب إذ أبدى بعض الحاضرين آراء مختلفة ومعارضة لما هو مطروح وقتها، فأخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنها.

وكذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أصل أساسي في الإسلام، كما جاء في الحديث: "وليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل"، فيجب على المسلم العمل بهذا الأصل وفق الضوابط الشرعية في مواجهة بعض المنكرات في البلاد الإسلامية، وقد مارس علماء الإسلام قديماً وحديثاً هذا الحق دون أن يخرجوا على الحكم والنظام العام، فها هو الإمام أحمد بن حنبل ينكر القول بخلق القرآن ويدعو للخلفاء الذين عذبوه بالهداية، وينكر الخروج عليهم، وها هو ابن تيمية ينصح للأمة في عصره في كتابه الشهير (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية)، ويخالف فتوى وقرار رسمي في عصره بشأن الطلاق (لأنهم كانوا يعتبرون الثلاث طلقات في مجلس واحد ثلاث طلقات كاملة)، ولكنه كان يقاتل التتار تحت رايتهم ولم يخرج عليهم، وها هم علماؤنا اليوم مثل ابن باز وابن عثيمين وغيرهما من علماء السعودية والكويت يفتون علانية بحرمة البنوك الربوية والسفور وبعض أنواع الحفلات والمنكرات الظاهرة، ولكنهم ينهون عن الخروج على الحكم والنظام العام، وها هم الإسلاميون اليوم في الكويت يصوتون على القوانين التي تُقدم من الحكم والحكومة بالقبول أو الرفض وفقاً لحقهم في الدستور مع التزامهم التام بنظام الحكم وعدم الخروج عليه.

إذاً لا يوجد تعارض بين السمع والطاعة المذكورة في تلك الأحاديث وبين الأمر بالمعروف والشورى، وإن حملتا رأيناً معارضاً للحكم والنظام أحياناً بشرط أن تكون هذه المعارضة شكلاً من أشكال النصيحة والمشاركة في القرار، وألا تكون هذه المعارضة وسيلة للخروج المنهي عنه على الحكم أو تغيير النظام بالقوة.

كما لا يوجد تعارض بين أحاديث السمع والطاعة وبين إنكار الظلم بالطرق المشروعة مثل التظلم واللجوء إلى المحاكم والمجالس النيابية، فليس المقصود من الأحاديث السكوت عن الظلم وسلب الأموال إنما المقصود عدم الخروج بالسيف.

كما يتضح أن استخدام لفظ (معارضة) لكل من خالف أو عارض قانونا أو قرارا أو لائحة لا يعد استخداماً صحيحاً، وكذلك استخدام لفظ (موالاة) لكل من أيد الحكومة في موضوع أو قرار معين، حيث إن المسلم الوطني الحصيف قد يعارض قانوناً أو قرارا معينا يتخذه الحكم أو الحكومة وينتقده وفق الضوابط الشرعية في حين يؤيد قانون آخر ويمتدحه في الوقت نفسه، فالمعارضة الدائمة لكل الأمور حتى الصحيحة منها لا تكون إلا من يريد تشويه الحكم أو تغييره وإسقاطه، في حين الإنصاف تجاه كل قانون وقرار هو أمر رباني "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَو عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ".

ولا شك أن في الشريعة الإسلامية تفصيلا أكثر من ذلك، فعلى الآمر بالمعروف والنائب والمستشار أن يتحروا الصحيح والحق في معارضتهم ونقدهم لأي قانون أو موضوع، سواء كان ذلك في المجالس النيابية أو الندوات أو الكتابة في الصحف أو في وسائل الاتصال الحديثة، فلا يجوز له الكذب أو الإساءة والافتراء على الحكم أو على الناس، كما أن عليه ألا يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر في أي أمر إلا بعد معرفته ودراسة أثره على الأمة في مختلف الأمور الشرعية والمالية والاجتماعية وغيرها، وأن يرجع إلى المختصين في كل مجال، فالمعارضة في كل أمر وكل موضوع ليست من البطولة في شيء.

كما أن عليه أن يلجأ اإلى الأسلوب الحسن والإقناع في ممارسة الاعتراض على القوانين والقرارات والأمر بالمعروف والنصيحة بدل التهديد والوعيد أو الغليظ من القول، فقد أمر الله تعالى موسى، عليه السلام، فقال "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه"، ولا يجوز للآمر بالمعروف أو النائب في البرلمان أن يدعو إلى مخالفة القوانين المعمول بها في البلاد التي لا تخالف الشريعة بحجة المعارضة لأن هذا يخالف المفهوم السليم للطاعة الشرعية في البلاد الاسلامية ويحيل البلاد الى فوضى عارمة، إنما يجب التزام القوانين ما دامت لا تخالف شرع الله فإذا خالفت وجب تغييرها بالطرق الشرعية، ولعل مشاركة الإسلاميين في البرلمانات هي من أفضل الوسائل الشرعية لتصحيح هذه القوانين.

والخلاصة أن المعارضة في كل بلد إسلامي تحتاج إلى دراسة الفهم الشرعي السليم لكيفية التعامل مع الحكم والحكومات عند الخلاف مما يحفظ الدعوة الإسلامية من جهة ويساهم في تحصين المجتمع من الإفراط والتفريط.

أحمد باقر

back to top