صدور المجلد العشرين... من نوادر البابطين (1- 3)

نشر في 02-03-2021
آخر تحديث 02-03-2021 | 00:08
 خليل علي حيدر مجلدات "نوادر النوادر من الكتب" التي تصدر بانتظام عن "مكتبة عبدالكريم سعود البابطين" في الكويت، حيث صدر منها المجلد 20 في يناير الماضي 2021، ستكون حتماً موسوعة تلخص زبدة الثقافة العربية المطبوعة في القرن 19 و20، تقدم خلاصة شيقة لنوادر الكتب التي أخرجتها دور الطباعة العربية في القاهرة وبيروت خاصة، وفي سورية والعراق والجزيرة العربية وأوروبا ضمن الجهد الاستشراقي وكذلك الهند بشكل عام.

هذا النشاط التوثيقي الذي تقوم به مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي دون انقطاع رغم كل الصعوبات، جهد ثقافي استثنائي وخدمة نادرة المثال للثقافة والمكتبة العربية، لما في إعداد هذه المجلدات الفاخرة من جهد، وما في إخراجها وطباعتها وتجليدها من تكلفة ومن تقدير للمحتوى الفكري فيها، وهكذا تشمل مكتبة البابطين النثر العربي برعايتها كذلك، إلى جانب ما قدمت من خدمات جليلة للشعر العربي.

"إن أفضل وسيلة لتعميم السلام وترسيخة بين البشر نشر الثقافة بمعناها الواسع التي تتضمن كل أنواع المعرفة"، يقول عبدالكريم سعود البابطين في "تصدير" المجلد 20 من المجموعة، وتحاول مديرة المكتبة السيدة "سعاد العتيقي" في المقدمة للكتاب الذي يعرض 80 عنواناً من نوادر النوادر من المطبوعات العربية، تذكير القارئ بالهوية المحورية للمؤسسة، أي نشر التراث الشعري العربي، فتقول عن محتويات هذا المجلد، في هذا العدد من مجلدات المجموعة كذلك "حضور مميز للشعر ونقده والتعريف بأعلامه".

ومن النوادر التي يعرف بها هذا المجلد مثلا طبعة "لايبزيغ" الألمانية سنة 1826 من معلقة "زهير بن أبي سلمى" الشاعر المتوفى عام 609 ميلادية، سنة 13 قبل الهجرة، وعرف بأنه حكيم الشعراء قبل الإسلام، وقد "نشأ في عائلة تهتم بالشعر، فأبوه شاعر، وخاله شاعر، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعران، وكان ينظم قصيدة في شهر ويهذبها في سنة، فكانت قصائده تسمى "الحوليات" وهو الشاعر الذي لخص في بيت من الشعر عمق مأساة الوجود الإنساني في التعامل مع الموت والشيخوخة... أيهما أسبق!

رأيت المنايا خبط عشواء من تُصب

تمته ومن تخطئ يعمّر فيهرم.

في مختارات المجلد 20 اهتمام خاص بكردستان، وتلفت المقدمة النظر إلى وجود كتابين عن الكرد، أحدهما من أقدم المؤلفات التي عرّفت بالأمة الكردية وبدورها في التاريخ والدول والإمارات التي أقامتها، وهو كتاب "شرفنامة"، لمؤلفه الكردي "شرف خان البدليسي" الذي ألفه بالفارسية في القرن 16م، ثم تُرجم إلى العربية.

وفي المجال نفسه، يقدم المجلد "تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، المترجم عن الكردية في مصر 1945 من تأليف محمد أمين زكي الوزير العراقي عام 1937، وفي الكتاب صورة واسعة التداول "للسلطان صلاح الدين الأيوبي بطل الإسلام والكرد"، ويقول الكتاب عن أصل الصورة بالعمامة التي تشبه التاج، أنها مسيحية! وأنها مأخوذة من مجلة كردية شهرية صادرة في استنبول بتركيا سنة 1913.

"وقد دل البحث على أن الأصل في صورة صلاح الدين المنشورة في أرجاء العالم حتى الآن هو ما نقل من كتاب روسي مأخوذ من دير قديم بمصر، ويدل بيتان من الشعر على أن المسيحيين في ذلك العهد رسموه ووضعوا رسمه في الكنائس"، ويقول "حكيم الزمان عبدالمنعم الأندلسي" الذي هبط مصر في عهد صلاح الدين ونظم القصائد في مدحه، ويقول عن المسيحيين:

فحطوا بأرجاء الكنائس صورة

لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم (ص160)

وقد حاولت أن أصل إلى تعريف من قاموس "المنجد" الصادرة عن المطبعة الكاثوليكية، لكلمة أقنوم المسيحية وجمعها أقانيم كما في الشعر السابق، وهي تعني الجوهر والأصل والشخص، ويقول المعجم الوسيط إن الكلمة "تستعمل عند المسيحيين العرب للدلالة على الثالثوث الأقدس"، ودهشت لخلو قاموس المنجد من تعريف كلمة "أقنوم" و"أقانيم"، على كثرة ورودها في النصوص المسيحية، ولم أجدها في الطبعات القديمة، عام 1951 وما قبلها كذلك، وحتى طبعة 1986، ولم أجدها إلا في "المنجد في اللغة العربية المعاصرة" الصادرة عام 2001، ومن المعروف أن على المنجد للأسف مآخذ وملاحظات كثيرة.

نعود الآن الى مجلد "نوادر النوادر من الكتب" 20، حيث يتضمن المجلد مرجعاً فقهياً مطبوعاً كذلك في نفس المدينة الألمانية "لايبزيغ" عام 1925 بالعربية والفرنسية بعنوان غير مألوف وهو "السير من كتاب القدوري في الفقه"، فمعنى "السير" في المعجم الوسيط "من الجلد ونحوه: ما يُقدّ منه مستطيلاً، أي ما يُقص منه على نحو مستطيل، وجمعها "سيور"، وهي كلمة متداولة في الفصحى والعامية، ولكن ما علاقة السير والسيور بكتاب في الفقه؟ فهل المراد "ملخص" أو "لمحة" مثلاً؟ متروك للباحثين.

كتاب القدوري "أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي" المتوفى سنة 428هـ 1037م في الفقه يعرض مجلد النوادر بعض محتوياته فيقول: "يبين المؤلف أن الجهاد فرض على الكفاية"، ولكنه يؤكد أن "قتال الكفار واجب وإن لم يبدؤوها"! و"إذا فتح الإمام بلدة عنوة فهو بالخيار، إما أن يقسمه بين جنوده، وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الخراج"، ويقول: "اختلف الرأي في أسرى الكفار، فأبو حنيفة يمنع مفاداتهم، بينما أجاز أبو يوسف- تلميذ أبي حنيفة- مفاداتهم بأسرى المسلمين". ثم يضيف الفقيه البغدادي: "وللإمام الخيار في قتل الأسرى، أو استرقاقهم، أو تركهم أحراراً في ذمة المسلمين".

وفي الجزية يقول: توضع الجزية على أهل الكتاب، وعلى المجوس، وعبدة الأوثان من العجم، ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب ولا المرتدين، ولا جزية على امرأة، ولا صبي ولا أعمى، ولا على الرهبان"، وعن الردة يقول: "وفي ارتداد المسلم عن دينه يعرض عليه الإسلام ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وإلا قُتل، ويزول ملك المرتد عن أمواله، وأما المرأة إذا ارتدت فلا تُقتل، ولكن تحبس حتى تسلم".

ويعرض الكتاب الفهقي "شروط الخليفة عمر بن الخطاب على أهل الذمة وهي: "أن لا يحدثوا بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام، وأن لا يجددوا ما انهدم، ولا يقصروا في ضيافة المسلمين، وأن لا يتجسسوا على المسلمين، وأن لا يمنعوا من أراد الإسلام من أقاربهم، وأن لا يتشبهوا بالمسلمين في لباسهم وأسمائهم، وأن لا يركبوا على فرس مسرج وملجم، ولا يحملوا السيوف، وأن لا يبيعوا الخمر، وأن لا يشتروا عبيداً مسلمين، وإن لم يفعلوا ذلك حل دمهم". (ص13)

تشير كتب الفقه المعروفة إلى هذه الشروط، فهل في الفقه الإسلامي المعاصر أية رؤى جديدة؟ لا تزال الكتب الفقهية من جانب آخر تردد نفس الشروط بدرجات مختلفة من الصراحة والغموض.

وينبغي الانتباه في هذا المجال إلى اختلاف الاجتهاد "الفقهي" الذي لا جديد فيه اليوم تقريباً، و"المعالجة الإعلامية والسياسية" لحقوق "أهل الذمة"، والتي تروج عادة الاعتدال وبعض التسامح، في ما يخدم قضايا الإسلام السياسي والصورة السياسية والدعائية لبعض جماعاته وبخاصة الإخوان المسلمين، الذين يمكن الخروج بأكثر من رؤية من كتبهم وإرشاداتهم و"فقه الضرورة" وغير ذلك.

وتعالج "الموسوعة الفقهية الميسرة"، بيروت 2000، لأستاذ سابق بارز في كلية الشريعة، بجامعة الكويت د. محمد رواس قلعة جي (1934-2014) أوضاع أهل الذمة بكثير من الصراحة مع المزيد من المخاوف والتحفظات على الشروط الفقهية المعروفة.

فيقول عن منح المسيحيين واليهود الحرية في المجتمعات العربية ما يلي: "منحهم الحرية: وتشتمل هذه الحرية: حرية ممارسة شعائرهم الدينية، وإقامة دور العبادة الضرورية لذلك، دون زيادة ولا توسع- فيما أرى- وحرية التنقل والإقامة في أي بلد يريدون، إلا أن تقتضي المصلحة بعدم إقامتهم في مكان معين، فيمنعون من الإقامة فيه، ومن ذلك منعهم من الإقامة في الجزيرة العربية، وفي الثغور التي هي على تماس مع العدو، وحرية التعليم، وحرية العمل، ما لم يكن هذا العمل مضرا بالأمة، فيمنعون منه".

(الموسوعة، ج1، ص 913)

وعن "واجبات أهل الذمة" يراها في 8 نقاط:

"أ- عدم الإقامة إقامة دائمة في الجزيرة العربية.

ب- دفع الواجبات المالية المترتبة عليهم، كالجزية ونحوها.

ج- عدم اقتناء السلاح أو صنعه أو حمله.

د- عدم الاتصال أو التعاون مع أحد من أهل الحرب، فرداً كان المتصل به أو هيئة رسمية.

هـ- عدم إقامة تكتل ديني طائفي، كحزب سياسي، أو منتدى أدبي خاص بهم، ونحو ذلك، لأن هذا يعوق انصهارهم في المجتمع الإسلامي.

و- احترام المقدسات الإسلامية، كالمصاحف والمساجد وكتب الحديث والتفسير ونحوها، وعدم إهانتها.

ز- عدم استئجار الذمي المسلم لخدمته الشخصية، لما في ذلك من المهانة للمسلم، قال تعالى في سورة النساء 141 "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا".

ح- عدم الإضرار بالمسلمين بأي وجه من وجوه الإضرار بهم، كتنجيس المياه التي يستعملونها، أو نشر الفساد بينهم، ونحو ذلك". (الموسوعة، ص 914)

ولا مجال للاستمرار والتوسع في مناقشة المزيد من التفاصيل، حيث نال نصيبه من النقاش في مقالات سابقة، ويكفي أن نقول إن العالم الإسلامي لا يمكن أن يتقبل بعض هذه القيود على حرية المسلمين في أوروبا وأميركا وغيرها.

يتبع غداً،،،

خليل علي حيدر

back to top