الخليج وثقافة الديمقراطية (14)... خطاب الكراهية معوقاً

نشر في 01-03-2021
آخر تحديث 01-03-2021 | 00:07
 د. عبدالحميد الأنصاري الكراهية أولى درجات التطرف الممهد للعنف، لأن التطرف بوابة العنف، وهي نوعان: كراهية الآخر المحلي المختلف ديناً أو مذهبا أو عنصراً، وكراهية الآخر الحضاري الخارجي وحضارته المعاصرة. خطاب الكراهية خطاب لا عقلاني يثير الجانب الغرائزي ويعزز الانتماءات الأولية في الإنسان العربي مثل: القبلية والطائفية والمذهبية والقومية الإثنية، وينمي ويغذي مشاعر الكراهية والبغضاء فيه.

خطاب الكراهية تعبير عن كل الصفات والعناصر السلبية المترسبة في النفس الإنسانية بفعل التربية غير السوية والأوضاع المحبطة والبيئة المتخلفة المحيطة بالفرد، يتكئ عليه دعاة التمايزات للتفريق بين أبناء المجتمع الواحد مثل: التعصب والتطرف والطبقية والتنميط والإقصاء والتخوين والتكفير والاستعلاء.

لذلك، لا سبيل إلى توطين قيم وثقافة الديمقراطية ولا إلى نجاح آليات الديمقراطية في تحقيق أهدافها التنموية، في مجتمع عنصري قبلي وطائفي محكوم بالأوضاع والتشريعات التي تميز بين المواطنين، لأن مخرجات الانتخابات العامة مهما كانت شفافة ستعكس غالباً الواقع العنصري والطائفي السائد في المجتمع.

لم تعرف الساحة الخليجية المسالمة خطاب الكراهية إلا قبل ثلاثة عقود، حين نجحت ثلاثة تيارات سياسية وعقائدية في غزو الثقافة الخليجية المتسامحة وهي:

1 - التيار التكفيري العقائدي: وهو تيار مثل فكراً إقصائياً قمعياً مشككاً في معتقدات الآخرين، يتهمهم بالبدعة والضلالة والانحراف المعتقدي بحجة أن العقيدة الصحيحة واحدة، أصحابها يحتكرون الجنة دون غيرهم من المسلمين أهل الضلالة.

استخدام العنف لدى هذا التيار وسيلة مشروعة لفرض النظام المعتقدي والآراء المشددة على المجتمع بحجة أنه أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو احتساب شرعي، كونه الموكل بحماية (العقيدة) الصحيحة، وحراسة (الفضيلة)!

2 - التيار التخويني الصحوي: وهو تيار سياسي عريض قام على فكرة "أبدية الصراع بين الإسلام والحضارة الغربية المعاصرة"، كونها حضارة مادية إباحية صليبية حاقدة على الإسلام، تعادي المسلمين وتتآمر عليهم وتتربص بهم الدوائر أبداً.

هو فكر اتهامي مسكون بهواجس التآمر الغربي على الإسلام والمسلمين والكيد لهم واستغلالهم واستنزاف ثرواتهم، وليتهم اكتفوا بذلك، لكن خطورة هذا الرأي والفكر، أنهم يسحبون هذا "الاتهام التخويني" على كل الأنظمة الخليجية والعربية المخالفة لتوجههم السياسي، فيتهمونها بأنها "صنائع الغرب وأميركا"، تنفذ مخططاتهما القمعية ضد تنظيماتهم السياسية، لكن الأخطر أنهم يسحبون هذا الاتهام التخويني ليشمل أبناء وطنهم من الكتاب والمثقفين والمفكرين التنويريين ودعاة الإصلاح السياسي والديني، فهم جميعاً في نظر هذا التيار: عملاء للغرب وأميركا!

يقدم هذا التيار نفسه للجماهير بأنه الحامي لـلهوية الإسلامية، ومقدساتها وثوابتها في مواجهة المد العلماني العولمي الخبيث!

وهو تيار يجيد التلون السياسي، استطاع بدهاء اختراق البيئة الخليجية، وكسب بعض أبنائها إلى صفه وتجنيده، ليكونوا أدوات هدم لمجتمعاتهم وأنظمتهم السياسية القائمة.

3 - التيار التخويني القومي: يقوم فكر هذا التيار على اعتقاد جازم بأن الغرب هو العدو المتربص الذي عوق نهضة العرب، ومنع وحدتهم برسمه الحدود الجغرافية القطرية، وزرعه إسرائيل في القلب العربي، وتحكم في مقدراتهم، واستنزف ثرواتهم، وعطل التنمية العربية بهدف استدامة تبعية البلاد العربية لمصالحه ومخططاته في المنطقة.

خطورة فكر هذا التيار الذي تسلط على حكم معظم الدول العربية على امتداد عقود طويلة، أنه فكر "تسلطي قمعي تخويني" يحتكر السلطة والوطنية، ويخون المخالفين له من التيارات الأخرى، ويتهمهم بالرجعية والتبعية للغرب وأميركا، بحجة أنه الحارس للوطن والوطنية!

أخيراً:

خطاب الكراهية الذي رسخته التيارات الثلاثة، عوق تقدم مجتمعنا الخليجي وعطل مسيرته نحو التحول إلى مجتمع حداثي متطور رغم الثروة الريعية التي مكنت الخليج من استجلاب التحديث التكنولوجي وشراء أفضل منتجاته.

لقد كان الهدف الرئيس لخطاب الكراهية الحط من حضارة الغرب والترويج لعدوانيتها وإباحيتها بهدف تنفير ناشئتنا منها وتحصينهم ثقافيا ودينياً وسياسياً، في مقابل تصوير حضارتنا في الماضي قوية زاهرة عبر انتقاء لحظات مضيئة في تاريخنا وتغييب ألف عام من الظلمات.

* كاتب قطري

د. عبدالحميد الأنصاري

back to top