حركة الجهاد التونسية بعد عشر سنوات على العفو عن السجناء

نشر في 25-02-2021
آخر تحديث 25-02-2021 | 00:00
من غير المرجح أن تحتل القضايا الأمنية الأولوية ضمن أجندة تونس في عام 2021 نظراً إلى القضايا الأخرى التي تشغل الدولة، بدءاً من التداعيات الاقتصادية للوباء، مروراً بعدم الاستقرار المستمر في البرلمان، ووصولاً إلى الخلاف مع الرئيس قيس سعيد.
 معهد واشنطن في 19 فبراير 2011 أعلنت تونس عفواً عاماً عن السجناء بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، مما سمح بعودة 1200 جهادي إلى الشوارع لتنظيم صفوفهم، ومن بين أولئك الأفراد 300 عنصر حاربوا سابقاً في أفغانستان والجزائر والعراق والصومال واليمن.

وفي السنوات العشر منذ ذلك الحين، مرّت الحركة الجهادية في البلاد بمراحل مختلفة، وهي الآن في أكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية، ويعكس الوضع الراهن حالة الحركة في حقبة ما قبل الثورة بطرق أخرى أيضاً، إذ يوجد معظم مقاتليها على جبهات أجنبية، ويتّخذ معظم المخططين للهجمات في صفوفها من الغرب مقراً لهم، كما أن أعضاءها مسجونون في عدة دول. أما الفرق الرئيس الآن فهو أن أعداد المنضمّين إليها أصبح أكبر بكثير، وعلى الرغم من الإنجازات الكبرى التي حققتها الحكومة ضدّ الجهاديين على مدى السنوات الخمس الماضية، فإنها لا تزال تواجه تحديات هائلة تتعلق بإصلاح قطاع الأمن والسلطة القضائية ونظام السجون ومشاكل الحوكمة، وقد يقوّض أي من هذه المجالات قدرة البلاد على منع عودة التهديدات الأمنية الخطيرة التي واجهتها من عام 2011 إلى عام 2016.

بعد العفو، نفّذ الجهاديون الذين أُطلق سراحهم ما كانوا يخططون له في السجن منذ عام 2006، وهو: إنشاء جماعة جديدة تسمى «أنصار الشريعة في تونس»، وكان أحد آثار حملة القمع في الساحة المحلية هو إقدام «أنصار الشريعة» على زيادة تجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى الخارج.

وبالفعل، شهدت تونس عدة هجمات جهادية واسعة النطاق بدءاً من عام 2015، بما فيها إطلاق النار في «متحف باردو» في العاصمة التونسية، وعلى شاطئ سوسة، وتفجير حافلة تابعة للحرس الرئاسي، إلى جانب هجمات أصغر حجماً بأسلوب المتمردين في الجبال القريبة من الحدود الجزائرية، وخاصة في ولاية القصرين. كما منح وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يزداد قوة في ليبيا الجهاديين فرصة أخرى لاختراق الحدود الوطنية كما فعلوا في العراق وسورية، غير أن قوات الأمن التونسية والمقاومة المحلية أحبطت محاولتهم عام 2016 للاستيلاء على مدينة بنقردان وربطها بصبراتة وغيرها من المجتمعات على طول الحدود في ليبيا.

الوضع في عام 2020 والتوقعات لعام 2021

استمر النشاط الجهادي في الجبال بالقرب من الجزائر في التدهور في عام 2020، إذ تأكّد مقتل خمسة قياديين إضافيين من تنظيم «الدولة الإسلامية»: باسم الغنيمي، ومحمد حبيب حاجي، وحافظ رحيمي، وناظم الذيبي، ومحمد ونيس بن محمد الحاج. وعلى الأرجح، لا يزال أكثر من 12 مقاتلاً من تنظيم «الدولة الإسلامية» مختبئين في الجبال، وفي المقابل، لم يُقتل أي من قادة «كتيبة عقبة بن نافع»، الفرع التونسي التابع لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، خلال العام الماضي، مما يشير إلى أن حوالي أربعين من أعضائه لا يزالون ناشطين في الجبال. ثم مجدداً لم يعلن هذا الفرع مسؤوليته عن أي هجوم منذ أبريل 2019، ويشير ذلك إلى أن الجماعة هي أصغر من التقديرات السابقة للحكومة، أو أن أعضاءها لم يعودوا قادرين على التواصل مع الشبكة الإعلامية لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الجزائر.

وعلى الرغم من أن مرض فيروس كورونا (كوفيد19) جعل من الصعب معرفة مدى قوة وخطورة شنّ هجمات من قبل هذه الجماعات وغيرها ذات الصلة، فإن مساراتها التي سبقت الوباء تشير إلى أن تراجع عدد الهجمات قد يكون مؤشراً على ضعف أوسع نطاقاً، ومن شأن الأشهر القادمة أن تقدّم صورة أوضح مع تلقّي التونسيين للّقاح وعودة الأمور إلى طبيعتها نوعاً ما.

ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، ازداد عدد الاعتقالات المتعلقة بالجهاديين، ولم توفّر وزارة الداخلية التونسية سوى القليل من الشفافية بشأن التفاصيل وراء هذه الاعتقالات. هل هؤلاء مجرمون جدد أم أفراد سبق اعتقالهم لتنفيذهم أنشطة جهادية؟

وينبع مصدر قلق آخر بشأن هذا السجل القضائي من التقرير الصادر في مارس 2020 عن «المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب» والذي وثّق انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز التونسية، وهنا أيضاً، على وزارة الخارجية الأميركية التدخل، وحثّ البلاد على وقف مثل هذه الممارسات نظراً لتأثيرها السلبي على شرعية الحكومة محلياً وفي الخارج.

أما ما يتعلق بالتحدي المتمثل في إعادة المواطنين التونسيين المرتبطين بتنظيم «الدولة الإسلامية» وأُسَرهم إلى بلادهم، فلم يتمّ إحراز الكثير من التقدّم باستثناء عودة 6 أطفال كانوا محتجزين في ليبيا، ولا يزال نحو 50 طفلاً إضافياً في ليبيا و200 طفل في سورية، علماً أن معظمهم وُلد في الخارج، ومع ذلك، فإن عدد التونسيين الراشدين المحتجزين في هذين البلدين غير معروف.

ويقيناً، من غير المرجح أن تحتل القضايا الأمنية الأولوية ضمن أجندة تونس في عام 2021 نظراً إلى القضايا الأخرى التي تشغل الدولة، بدءاً من التداعيات الاقتصادية للوباء، مروراً بعدم الاستقرار المستمر في البرلمان، ووصولاً إلى الخلاف مع الرئيس قيس سعيد. ومع ذلك، حتى عندما أصبح تذليل المشاكل الأمنية الفورية أسهل في السنوات الأخيرة، فإن العدد الهائل من التونسيين المجندين في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي يشير إلى أن تداعيات هذا الأمر ستستمر لسنوات أخرى، إذ يقضي الأفراد عقوباتهم بالسجن، أو يعيدون تنظيم صفوفهم في خارج البلاد، أو يخططون لهجمات محلياً. ولهذا السبب، يُعتبر تنفيذ الإصلاحات المذكورة أعلاه أساسياً عاجلاً لا آجلاً. ودفعت مشاكل الحوكمة السابقة العديد من التونسيين للانضمام إلى مشاريع بناء الدولة التي قدمها كل من «أنصار الشريعة في تونس» وتنظيم «الدولة الإسلامية»، ومن شأن الهفوات المستمرة أن تمنح الحركة الجهادية محفزاً في المستقبل، بغض النظر عن مدى إضعافها في الآونة الأخيرة.

هارون ي. زيلين - واشنطن إنستيتوت

من شأن الهفوات المستمرة للحكومة التونسية أن تمنح الحركة الجهادية محفزاً في المستقبل بغض النظر عن مدى إضعافها في الآونة الأخيرة
back to top