قاسم توفيق يعزف «نشيد الرجل الطيب»

رواية جديدة للأديب الأردني تكشف اختلال العلاقات الإنسانية

نشر في 25-02-2021
آخر تحديث 25-02-2021 | 00:01
تحكي الرواية الجديدة "نشيد الرجل الطيب" التي يعزفها قاسم توفيق بقلمه، سيرة المصوِّر الفوتوغرافي "مسعود الصانع" والرأسمالي الجشع "غازي العبد"؛ وهما شخصيتان لم تلتقيا طوال أحداث الرواية، وتسيران في خطَّين متوازيين، وتتقاطعان في نقطة واحدة تكون هي المحور الذي تتشكَّل منه هاتان الشخصيَّتان، ويشكل هذا المحور مدخلاً لكشف الشخصيتين، وطبيعة العلاقات الإنسانية المتشابكة على الرغم من اختلاف تشكلتها الاجتماعيّة والثقافية والفكرية.

مبرر الوجود

يفتّش "مسعود الصانع" منذ بداية وعيه عن مبرّر لوجوده، ويصبح ذلك همه الأكبر الذي يدفعه إلى الانخراط في مقتبل شبابِه بالعمل الحزبيّ المعارض، ليعود من هذه التجربة خائباً وفاقداً الأمل في فهم كنه وحقيقة وجوده. يمتلك مسعود – بالمصادفة - كاميرا، فيتحوَّل إلى مهنة التصوير بعد أن يعجز عن العمل بشهادته الجامعيّة بسبب خلفيَّته الحزبية.

يحقّق مسعود نجاحاً في مهنته ويتحوَّل إلى خبير في فنون الرَّسم وصاحب رؤية خاصة، نتيجة لقراءاته الفكرية والفلسفية ولتجربته الحزبيّة التي يكتشف أنها من دون جدوى. إلى أن يتعرَّض لحادثة دهس، فتنفتح في وجهه أثناء فترة علاجه، ومواجهته خطر الموت، أفكارٌ ورؤى مُغايرة للمفاهيم السائدة فلسفياً وفكرياً وفنياً. يحاول تكسير هذه المفاهيم من أجل الوصول إلى الحقيقة، فيقرِّر أنَّ الشرخ الذي ينهك نفس الإنسان الذي يسعى إلى التحرر من الموروثات التي شوهت وعيّه؛ يكمن في ذاته وفيما تشكل عليه من دون أن يكون هو صاحب الاختيار.

الخروج من المتاهة

في محاولة منه للخروج من هذه المتاهة، يجرب أن يبحث في دلالة معنى الخلود، ويقرّر أنه أمر لا يتحقق ولا يكتمل إلا من خلال العمر الذي يعيشه الإنسان، لذلك يبدأ في قراءة مغايرة لبعض ما أتُفق على أنه حقائق ويكاد يتفق العالم على تفسيره وفهمه ليثبت بطلانه؛ فيعود لدراسة ابتسامة الموناليزا ويُعلن أنها لا تزيد على أنها أول خدعة مورست في الفنون البشرية، لأن من غير المعقول أن تظل هذه المرأة محافظة على ذات الابتسامة طوال وقت رسم ليوناردو دافنشي لها. كما يحاول تهشيم نظرية سيغموند فرويد فيما يخص عقدة أوديب، مؤكداً أنَّ الأب هو المُدان في اختلال العلاقات الأبوية لا الابن، لأن الأب هو من خضع لنبوءة العرّاف وقرّر أن يقتل ابنه في البداية.

أفلام الحركة

مقابل شخصية "مسعود"، تقف شخصية ابن مهرِّب البترول والأسلحة؛ "غازي العبد" الذي لا تتعدّى ثقافته ووعيه ما يشاهده في السينما من أفلام الحركة البوليسيّة التي يظل مولعاً بها حتى بعد أن يتجاوز الخمسين من عمره. يكرِّس هذه الثقافة السينمائية في جميع مناحي حياته، بدأً من علاقته بعشيقته، حتى علاقته بأهله الذين يعملون معه، ويظل يبحث عن أسباب تجعله يطبِّق ما يشاهده في السينما على حياة هؤلاء.

إلى جانبه يحضُر شقيقه الأصغر الذي يختلف عنه في كل شيء؛ "بهاء" الذي يتعلَّم ويعيش في أميركا، ويعود بعد سنوات كمدير لمؤسسة ثقافية تحمل اسم الأب، ويحاول أن يفرض من خلال موقعه هذا ثقافةً مشوّهةً لا تنسجم مع المفاهيم العربية السائدة، مكرساً لذات النهج الذي نشأ عليه الأب والابن الأكبر في استغلال الناس، لكن تحت عنوان مختلف كثيراً عن التهريب والاحتيال؛ الثقافة.

طريح الفراش

التقاطع الوحيد بين شخصيَّتي "مسعود" و"غازي" يكون في عمل والد "مسعود" سائقاً لدى المؤسسة التي يملكها "غازي"، حيث يقوم بتهريب البترول والأسلحة والمخدرات لمصلحة شركة العبد، إلى أن يفكِّر بالتَّهريب لمصلحته الخاصة، فيقرِّر "غازي العبد" التخلُّص منه. نتيجة لظروف تحدث أثناء محاولة قتلِه يتعرَّض والد "مسعود" لإصابة تسبِّب له شللاً، فيقضي ما تبقى من عمره طريح الفراش عاجزاً عن النُّطق أو الحركة، وعن كشف مَنْ الذي يقف وراء الحالة التي أصبح عليها، لذلك يبقى "غازي العبد" غائباً عن وعي "مسعود" إلى النهاية.

"نشيد الرجل الطيب"، رواية تكشف بجرأة الاختلال الكبير الذي يكمن في طبيعة العلاقات الإنسانية، وتحكي عن تغليب "الهو" على "الأنا" التي خفت حضورها أو غُيبت، عند البشر.

14رواية تحتفي بالمكان

قاسم توفيق روائي وقاص أردني، قضى طفولته وشبابه ولا يزال يُقيم في عمّان، تخرج في الجامعة الأردنية بدرجة بكالوريوس في الأدب، وعمل في القطاع المصرفي في عددٍ من الدول العربيّة والعالم، ثم تقاعد ليتفرَّغ لمشروعِه الأدبي في الرِّواية عام 2013.

بدأ الكتابة عام 1974 بنشر مجموعة من القصص القصيرة في الصحف والمجلات الأردنية والعربية، أصدر أوّل مجموعة قصصيّة أثناء دراسته في الجامعة الأردنية بعنوان "آن لنا أن نفرح" سنة 1977. برز اسمه في عالم الأدب محليّاً وعربيّاً مع إصدار روايته الأولى "ماري روز تعبُر مدينة الشمس" والتي لقيَت أصداء واسعة لِما احتوته من إبداع على مستوى الموضوع والنص، أعيدت طباعتها عام 2007 في رام الله- فلسطين عن دار الرعاة، وصدرت طبعتها الثالثة في عمّان عام 2010. وحاز جائزة "كتارا للرواية العربية" لعام 2018 عن روايته "نزف الطائر الصغير".

وأصدر توفيق حتى الآن أربع عشرة رواية، أبرزها "ماري روز تعبر مدينة الشمس" (1985)، و"أرض أكثر جمالاً" (1987)، و"حانة فوق التراب" (2015)، و"نزف الطائر الصغير" (2017)، وخمس مجموعات قصصيّة، منها "سلاماً يا عمّان سلاماً أيتها النجمة" (1982)، و"ذو القرنين" (2009). ويُعد أول مَن توجَّه للكتابة عن المكان "عمّان"، بخلاف ما كان سائداً عند معظم الكتاب الأردنيين الذين كانوا يتوجَّهون إلى "اللامكان" في كتاباتهم.

أحمد الجمَّال

back to top