اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية والاقتصاد الرقمي

نشر في 21-02-2021
آخر تحديث 21-02-2021 | 00:06
 د. بلال عقل الصنديد في 26 نوفمبر 2007 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار يوم 20 فبراير من كل عام يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية، وبمناسبة الاحتفال السنوي بهذه المناسبة تركز الأمم المتحدة في هذا العام على عنوان معين يدخل في سياق تحقيق العدالة الاجتماعية، فحثت على ضرورة التركيز على موضوع «الدعوة للعدالة الاجتماعية في الاقتصاد الرقمي»، وذلك في سياق خدمة الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للبحث عن حلول لتحقيق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر، وتعزيز العمالة الكاملة والعمل اللائق، وإتاحة الحماية الاجتماعية الشاملة، والمساواة بين الجنسين، والوصول إلى الرفاهية الاجتماعية والعدالة للجميع.

الواقع أن اختيار مثل هذا العنوان للاحتفال أقل ما يقال عنه أنه اختيار موفق لأنه يخدم أهداف العدالة الاجتماعية من جانب، ويلامس من جانب آخر تداعيات المستجدات المعاصرة، ولاسيما في ظل ما يعانيه الاقتصاد العالمي من تراجع كبير وركود غير مسبوق في التاريخ القريب جراء تداعيات جائحة كوفيد19 التي شلّت حركة المواصلات الدولية وعطّلت المصالح البشرية، وأدخلت الكون في حالة من الهلع المترافقة مع شعور بعدم اليقين وإحساس بالقلق!

ومن حيث إن مساعي تحقيق العدالة الاجتماعية تعنى بتعميم الحياة الكريمة وتحصين الكرامة الإنسانية بالنسبة إلى كل فرد من أفراد المجتمعات، فهي تستهدف تحقيق تكافؤ الفرص والتساوي في الحقوق والواجبات الاقتصادية والاجتماعية، وعدم التمييز بأي شكل من الأشكال بين الدول وبين أفراد المجتمعات ومكوناتها، كما أنها تفرض التوزيع المنصف للثروات وتشاركية الحصص في الخيرات والتقديمات؛ ومن حيث إن هذه العدالة- المدنية وفق ما يسميها البعض- تتجلى في أحد مندرجاتها بتمكين كل الشرائح المجتمعية من ممارسة عمل لائق ومناسب، دون تمييز أو تفرقة، فإن التجارة الإلكترونية والعمل عن بعد والتفاعل مع مفردات الاقتصاد الرقمي، لا بد أنها تشكل بديلاً عادلاً، حيوياً وفاعلاً قد يعوض بعض الخسائر الناتجة عن تعطيل المرافق العامة والخاصة المتأتي عن إجراءات مكافحة الجائحة العالمية.

وبغض النظر عن مثل هذه الضغوط الظرفية، فإن الاقتصاد الرقمي صار حتمية لا مفر منها للأجيال القادمة التي تتجه على الأرجح الى الاستغناء شيئاً فشيئاً عن كل ما لا يتصل بعالم التكنولوجيا، والتي- في أحسن الأحوال- تقوم بتطوير ممارساتها التقليدية بأساليب رقمية حديثة كما فعلت باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كبديل عن التواصل الإنساني المباشر وباستخدام أحرف الحاسوب عوضاً عن خط اليراع!

وأياً تكن وجهة التطور، ومهما بلغ أفق التغيير اتساعاً، تبقى العدالة الاجتماعية هي المستهدف الرئيس الذي لا يجوز للإنسان «المترقمن» أن يتخلى عنها، كما لا ينبغي له أن ينحرف عن مسارات تحقيق أهدافها، فكما أنه من غير المقبول في العمل التقليدي التفرقة في الفرص والظروف والمردود بين عامل وآخر أو بين رجل وامرأة أو بين ذي احتياج خاص وغيره، من واجب الدول والأمم أن تتنبه، في سياق الانغماس المتزايد في الاقتصاد الرقمي، الى الفجوة الرقمية الملحوظة بين البلدان المتقدمة والنامية وداخل كل منها، ولا سيما فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والقدرة على تحمل تكاليفها وتفاوت إمكانية الاستفادة من خدمات الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة.

فمن منظور الثوابت المرتبطة بحق العمل، وسواء أكان الاقتصاد تقليدياً أم رقمياً، ينبري الحق الطبيعي للعامل بالتمسك بمبدأ انتظام العمل والدخل، وبممارسة نشاطه في ظروف عمل عادلة تؤمن له الحماية الاجتماعية والمستوى اللائق من المعيشة، وقد كشفت التجربة الإجبارية التي مرّ بها العالم في اعتماده أثناء أزمة «كورونا» على الاقتصاد الرقمي عن شوائب وتحديات جدية في تحقيق العدالة الاجتماعية بين الشرائح المختلفة للعمال وأرباب العمل على حد سواء، وليس أقلها المنافسة غير العادلة في سرعة وتفاعل المنصات الإلكترونية، الخلل والتفاوت في العدالة الضريبية التي مازالت تعتمد على نصوص وإجراءات تقليدية في الإخضاع وفي التحصيل، وكذلك حالة اللا ثقة التي تحيط بآليات التمويل المطلوب للتحولات الرقمية، وضعف مقدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التكيّف السريع والمناسب مع متطلبات التعامل الرقمي.

يشار في السياق نفسه الى أن العدالة الاجتماعية ترتبط من الناحية القانونية بتحقيق وضمان «الجيل الثاني» من حقوق الإنسان ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي التي جاءت بها كل المواثيق الدولية وفي مقدمتها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948، والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الصادر في عام 1966، واتفاقية الأمم المتحدة للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وعليه، وعلى عكس «الجيل الأول» من حقوق وحريات الإنسان التي لا تفرض على الدول سوى التزام سلبي تمتنع بمقتضاه عن القيام بأية أعمال يمكن أن تحرم المواطن من حقوقه اللصيقة كحق الحياة والتعبير، أو من شأنها أن تحول بينه وبين ممارسة حرياته وحقوقه السياسية والمدنية كحق الانتخاب، فإن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تفرض على الدول وجوب اتخاذ أفعال إيجابية تصب في خانة الرعاية الاجتماعية الشاملة للمواطنين، ولعل في دستور دولة الكويت الذي أشار الى عبارة «العدالة الاجتماعية» بشكل صريح في مواده أرقام (20)، و(22) و(24) والذي نص في بابه الثاني والثالث على سلسلة من الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية كحق العمل والضمان الاجتماعي والعناية الصحية وصيانة دعامات المجتمع وكفالة الطمأنينة وتكافؤ الفرص بين المواطنين... الخ، ما يفسّر الحرص الدائم للسلطات المختصة على الانطلاق من تلبية متطلبات «الرعاية الاجتماعية» للمحتاجين الى تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة، وهو ما يفرض عليها أيضاً ضرورة الاستمرار في مساعيها لتمكين المجتمع الكويتي بكل شرائحه العمرية والـ»جندرية» من الاندماج أكثر مع مفردات العولمة والاقتصاد الرقمي الذي صار من المستلزمات الرئيسة للتنمية المستدامة.

د. بلال عقل الصنديد

back to top