ردينة آسيا: لا يوجد ما يُسمّى بقصيدة النثر

أديبة وتشكيلية فلسطينية تربت على أشعار محمود درويش ورسومات ناجي العلي

نشر في 17-02-2021
آخر تحديث 17-02-2021 | 00:02
ديبة والفنانة التشكيلية الفلسطينية، ردينة آسيا
ديبة والفنانة التشكيلية الفلسطينية، ردينة آسيا
ولدت الأديبة والفنانة التشكيلية الفلسطينية، ردينة آسيا، في الكويت، واستقرت بها الحال في الأردن، ولا تزال أعمالها تتنفس رحيق بلدها المحتل، فنجدها تلقي هالة ضوء على الشهداء والمناضلين العرب الداعمين لقضية العرب الأولى في كتابها "أرواح تهوى البنادق"، بينما تنسج قصائدها من أجواءٍ تتراوح بين الصوفية والغزل والشعر الوطني.
وفي حوار أجرته معها "الجريدة" من القاهرة، قالت آسيا إن الشعر عمودي أو تفعيلة، بينما لا يوجد ما يُسمى قصيدة النثر، ورغم إبداعها في الفن التشكيلي أيضاً، فإنها ترى أن الحرف أقرب إلى روحها من اللون... وفيما يلي نص الحوار:

● يتنوع إبداعك الأدبي بين الشعر والقصة... على أي أساس تحددين القالب الأنسب للنص؟

- مبدئياً، يجب أن نتفق على أن الشعر ديوان العرب، وذُكِر أخيراً أن السرد ديوان العرب الحديث، وإن كان الشعر مقدماً على السرد قديماً، وإن وجد السرد وتعاطاه العرب، إلا أن القرآن الكريم قلب المعادلة وسلّط الضوء على القصة، ونفى الشعر عنه، وقدّم للقصة في آياته، فتسابق الصحابة الكرام على سؤال الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن قصص الأنبياء، بل تجاوز القرآن ذلك بذكر قصص غير قصص الأنبياء، من صالحين وطغاة.

ومن وجهة نظري، فإن في الشعر سرداً وفي السرد شعر من حيث لا نشعر. وقد كتبتُ الشعر والقصة معاً مع اختلاف الحضور، فالقصيدة تحضرني بحضور الشعور، فهي لا تطرقُ باباً وتدخل إلى أسطري من دون استئذان.

أما القصة فلها منحنى آخر، إذ أعكف حالياً على كتابة قصص عن أبطال المقاومة، وابتعدتُ قليلاً عن القصص الاجتماعية والعاطفية لعلمي بأهمية سرد قصص المقاومين في زمن احتُلَت فيه أراضينا ونُهِبت مقدساتُنا، وفي زمن عَز فيه الجهاد وسقطت الجيوش كان لا بدّ ألا تحضرني القصة إلا وأعددت لها العدة من دراسة وفهم وترتيب للأحداث.

● وُلدتِ في الكويت، ثم استقرت بك الحال في الأردن، بينما جذورك الأولى فلسطينية، كيف أثرى هذا التنوع ثقافتك ورؤاك الفكرية؟

- وأنت خارج وطنك تجد الثقافات المختلفة، وترى وطنك على بعد أميال كثيرة، فتشتاق إليه، وكان للكتاب حضور طاغ في بناء شخصيتي، فمنذ سنوات طفولتي الأولى وجدتُ أبي يستحضر كتاب التراث الشعبي الفلسطيني من الـ "أوف" والـ "ميجانا" (من أنواع الزجل أي الشعر الغنائي التراثي الشعبي)، وقرأت لمحمود درويش ورأيت رسومات ناجي العلي في الصحف الكويتية، فكان أي رمز أدبي فلسطيني في أرض الغربة يخفف من وطأة البرد هناك.

كذلك سمعت صوت أبي المبحوح يغني للوطن، وتعودت أذني على سماع قصص الأرض المحتلة، عندما نجتمع حوله، ففي الغربة والمنافي ترسم وطنك في مخيلتك، ومن هنا كانت اللبنة الأولى في كتابة الشعر والقصة لديّ، وعند هذا الحد الفاصل ما بين غربةٍ ووطنٍ أنسج ذاتي.

● ما سر ولعكِ وتمسككِ بالقصيدة العمودية رغم اتجاه الأجيال الجديدة من الشعراء إلى قصيدة النثر؟

- تتفرع من الأدب فنون القصة والشعر والنشر والمسرح إلى غيرها من الفنون. ودعنا نتفق على مسمى النثر، فلا يوجد ما يُسمى قصيدة النثر، ولكن هناك القصيدة العمودية والتفعيلية، وهذا لا يعني أنني أقلل من قيمة النثر، ففي بعض نصوصه جماليات تطغى على القصيدة إن أحسن كاتبها استخدامها، لكنني ببساطة أؤمن بضرورة وضع الأشياء تحت مسمياتها الحقيقية، لذلك فإنني أكتب العمودي والتفعيلة، وأحب كتابة النثر، لكّن العمودي بالنسبة إليّ كغيمةٍ محملة والتفعيلة كالمطر والنثر كحبات الثلج البيضاء. ولأن إبداع العمودي والتفعيلة فيه من التحدي ما فيه، لأن مَنْ يكتبه يكون قد استخدم موهبته وعلمه ومشاعره لتكوين القصيدة.

● "في كفها حِناء الشمس"، كيف نسجتِ هذا الديوان من أجواءٍ تراوحت بين الصوفية والغزل والشعر الوطني؟ حدثينا عن إصداركِ الأول؟

- هذا الديوان شمل ستا وأربعين قصيدة من الشعر العمودي، وأحببت أن أدرج كل قصائدي من الشعر العمودي فيه لكي أتحدى فيه نفسي ولا أرضى بأقل جودة منه في إصداراتي اللاحقة وهو طفلي الأول إن صح التعبير، وقد تراوحت فيه القصائد ما بين صوفي ووطني وعذري، لأن هذه المحاور تشكل ذاتي وروحي، فأرى فيها ذاتي المتعلقة بحبل الله، رغم أفول قلبي أو تشوّقه له سبحانه، وأرى نفسي في خط المقاومة وقرب تلال الوطن، رغم بُعدي عنه، فأجد نفسي أهجو من باع فلسطين تارة، وأثير الحماسة تارة، وأُعري المُحتل تارة، وأجد نفسي في الغزل العذري أرتقي بحروفي، حيث الغزل الرقيق الراقي من غير إسفاف... هذه المحاور الثلاثة تمثلني من غير تشدق.. ببساطة أتنفس ذاتي ما بين زهوري الثلاث.

● متى تُنحين القلم جانباً وتمسكين بريشتك وألوانك، بمعنى آخر، ما الذي لا يقدر على صياغته الحرف ويستطيع اللون إبرازه؟

- للون عندي طقوس تختلف عن دفتري وكراستي، ربما يكون حضوره أقل، فهو يحتاج إلى أدوات ووقت ومساحة من الاختزال الفكري والحسي لكي تضعه مولوداً كألوان الربيع، وأعترف بأن حضور الحرف أطغى وأقرب إلى روحي، لذلك لا أستدعي أنوار اللون إلا حين أطلبها، ولا أجد ذاتي بين مساحات اللوحة إلا في هدوء وصفاء فكري باذخين يجب أن يكونا حاضرين قُربِي.

● "أرواح تهوى البنادق" مجموعتك القصصية التي وثّقت بطولات مجموعة من المناضلين العرب، هل سنرى أجزاء أخرى توثّق سير شهداء آخرين؟

- رغم طباعة هذا الكتاب، فإنني أرتب له ترتيباً بخصوص إشهاره ليناسب قيمة الشخوص الذين كتبت عنهم، وسأعمل على إكمال مسيرتي في فتح سير المقاومين العرب والأممين غير العرب الذين وقفوا في صف القضية الفلسطينية ودافعوا عنها بمبادئهم ومواقفهم وتضحياتهم، ومجموعة "أرواح تهوى البنادق" لا تختص فقط بالشهداء، بل بكل المقاومين سواء كانوا أحياء أو أمواتا.

ولكي تستفيد أكبر شريحة من القراء على اختلاف أعمارهم، فإننا بحاجة إلى تعريف الجيل الجديد بمن غيبهم الإعلام الممنهج في محو ذاكرة المقاومة ومحو فكر الشباب الذي غُيِب عن قضاياه.

● هل ترين أن الإبداع العربي لا يزال يلعب دوراً في دعم قضية العرب الأولى، أم ثمة تراجع في هذا الاتجاه؟

- الإبداع العربي تهاون في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لأن هناك منهجاً مخططاً له من غزو ثقافي وفكري يمارسه الإعلام العالمي لطمس ملامح قضايا الأمة، وخلق جيل لا يمتّ لجذوره وقضاياه بِصلةٍ، ولا ننكر أن هناك إبداعات حقيقية تصب في روافد القضية الفلسطينية، لكن أتمنى شمولها لتأخذ حجمها الذي يليق بها، فكل التحية لمن يشحذون أقلامهم وفكرهم في خدمة مبادئهم الراسخة.

● ما مشروعك الأدبي أو التشكيلي الحالي؟

- أعكف حالياً على ثلاثة مشروعات ما بين ديوان شعري جديد وكتابة عن شخوص جديدة من شخوص "أرواح تهوى البنادق"، ومعرض تشكيلي يحمل الهوية الفلسطينية ما بين ألوانه، لكنني سأختار الوقت المناسب في ترتيب ذلك، وأي هذه المشروعات الأقرب في حال اكتماله سيخرج للنور قريباً.

أحمد الجمَّال

القصيدة لا تدخل إلى أسطري من دون استئذان
back to top